وجهة نظر

«ليلام»

ت + ت - الحجم الطبيعي

من منا لا يعرف «ليلام»، جالب البهجة إلى الفرجان في السبعينيات، يحمل «بقشته»، التي تجلب الحبور والفضول، فما إن يراه الأطفال حتى ينشروا خبر قدومه، لتتأهب النساء استعداداً لفرش «صُرته» أمام منازلهن، ليصبح ظاهرة ارتبطت بالترقب، ولم يغب يوماً عن ذاكرة «السكيك».

ويتجدد اللقاء اليوم مع «ليلام» جديد، لا يبيع العطور والأقمشة، إنما يصافحنا كل يوم على مفترق طرق افتراضية، يفرش بضاعته المسعرة بنقر «الإعجاب»، لأتساءل أي معيار يحكم فضاء «النظم الافتراضي»، وبالتحديد عندما نناقش فكرة مجتمعية أو قضية إنسانية على مواقع التواصل الاجتماعي ؟

بشكل دراماتيكي، بتنا نرصد هويات جديدة لهواة، يعالجون قضايا أكبر من وعيهم، وهنا أقصد من يفتح صفحة لنشر مقالات مبتورة، وفيديوهات ذات عناوين مريبة، حول قضية مستجدة تهم الرأي العام، حيث سحبت النواقل الجديدة بشكل تكتيكي البساط تدريجياً من تحت الإعلام التقليدي، الذي يشترط أسلوباً ووعياً في مناقشة المواضيع المجتمعية، لتمنح هذه المنصات أصحاب الشغف فرصة مجانية، بغض النظر عن أعمارهم، وجهل بعضهم بفنون التحليل، فينشرون كلماتهم حول قضية، بطريقة هشة، ينقصها العمق في كثير من الأحيان، والتي قد تلقي بهم خارج حدود المسموح إلى المحظور.

اليوم باتت الشهرة الافتراضية لأنصاف المثقفين مصدراً مهماً في الكسب المادي، قبل إفادة جمهور المتابعين، من خلال تسهيل الكسب المعرفي الضحل، فبعضهم يفتقر إلى القدرة في تقديم فكرة سليمة، أو قد يضمن معلومة ملتوية، لا تخدم المضمون، فليست الفكرة في دحض هذا الشغف ومحاربته بقدر الحاجة إلى توجيهه إلى مستوى من الوعي الراقي، وتحديد طريق واضح ورؤية متزنة للمضمون، لتكون هذه المواد الافتراضية نهجاً يُبنى عليه، ويُنشئ وعياً جمعياً بأسلوب متزن، وهذا ما يحمله قلة من المؤثرين المثقفين في خضم هذا الفضاء الافتراضي الشاسع.

فإذا كان «ليلامنا» القديم يصيح بأعلى صوته، ليجمع الأذواق المختلفة على حدود بقشته، أي فكر سيجمعنا حوله «ليلام» الفكرة المبتورة ؟

Email