طلب لجوء!

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت الضحكات المشتركة تُنشئ ألفة في البيوت المتراصة، كطقوس يومية أمام شاشة صغيرة، تلغي حدود الزمن، في ظهيرة أو عصر يوم من الثمانينيات أو التسعينيات في بيت خليجي مترابط، ليضحكنا «أشحفان» أو نبكي على «محظوظة ومبروكة» في «على الدنيا السلام»، مشاعر مشتركة احترمت اللغة والترابط والقيم، تقاليد حب غابت من منازلنا، عندما نبت زغب أفكارنا، وانشغلنا بصراع الهويات، فهل ابتلعتنا كثقب أسود؟

قد يظن البعض أن مقالي «نستولوجي» بامتياز يحن إلى الماضي، وينكر جميلاً، وكرم التكنولوجيا في حياتنا، وتنوع مشارب المضمون على شاشات التلفاز، لكني أنظر إلى الموضوع من جانب مغاير، فنحن كبشر نبحث دائماً عن ما يجعلنا نأنس ونجتمع، كطبيعة جبلنا عليها، فعندما قايضنا هذا التآلف بنطاق أكثر شمولاً وفضاءات أوسع كان حري بها أن تقربنا، إلا أنها نسجت الحدود، وبدأ الانفصال يحتوي المشهد بشكل هجين لم نألفه، وأدمنا محتوى لا يشبهنا.

لا مناص أن تطور الزمن والنواقل والأدوات جعلنا نقرأ المشاهد بطريقة مختلفة، وجعلنا ننشئ مساراً معيناً في التفكير، وقبول أو رفض ما يدعم هذا الإيمان والتوجه، كعامل مهم في تكوين الشخصية، إلا أن تناسل منصات المحتوى، وما تقدمه من «بعض» الأفلام والمسلسلات من ثقافات مختلفة جعل هذا البعد يقفز إلى حائط أبعد، ويروي العقول بأفكار تخرج عن المنطق، ونهج لا يرقى بالإِلف، ولا يحترم أصول العادة، انشغلنا بالتقليد، فتلاشت هويتنا، وانغمسنا في ظلمات بحر لجي، حتى لم يعد يربكنا مشاهدة ما كان يقبع في خانة المحظور، فبدل الانفتاح أصبحنا منغلقين في حدود نواقلنا، وعندما اتسعت مجالس العائلة بالمحبين، جمعنا الخلاف حول عاداتنا المستحدثة، وانشغالنا المحموم بفراغ لا ننتمي إليه.

وهنا أتساءل إن كانت ثقافتنا المغيبة في أعماقنا ستوافق على «طلب لجوئنا» من جديد؟ بعد أن ذقنا الهشاشة، وأدمنا الهروب الاختياري، الذي يذكرني كثيراً «بسليمان أبو الريش» في «خرج ولم يعد»

Email