كنت على يقين دائم بأن الزمن يسير ولا يهترئ بعكس المادة التي يحتويها، حاملاً معه كل العجز المنسجم، رفقة الخيبات والانتصارات والهامش، وصورة المألوف والجديد بإطار عتيق، ولكنني اليوم صرت أؤمن بأن الزمن يشيخ، حينما تتشبث بخلاصه صيرورة رأي واحد، ومبادئ لا تقبل التغيير ولا تشرئب لتبصر النور بآخر النفق.
ورغم أن الزمن كائن مفصلي في هذا الانسلاخ الباحث عن مخرج، أستطيع أن أجس بقلمي ذلك المستبد الساكن بقوة في الأعماق، الرابض على أتون المواقف، من بيده خيوط المشاهد، يحرك مفاصلها على خشبة الحياة كيفما شاء، حسب منظومة أعرافه وقيمه المتراصة في حاشية فصول نهجه العتيق، وسط تصفيق الحالمين بهدنة سلام، لأدرك أن صراعنا معه لن يصنع منا أناساً جدداً، وإنما ستكون لدينا نماذج عديدة من الذات المستنسخة والمشوهة، فثمة حالة ابتزاز بيننا وبين ذاتنا العميقة، وليس ثمة استقرار وصفاء دائمان.
هذا الوهم الفني العميق الذي نتعاطى معه بشكلٍ جدي، انعكاس جلي للسبب الجيني الذي يدفع الحياة نحو الاستمرار والصراع على الدوام، للسعي المستميت لدحض الأفكار المعلبة، والتنقيب عن مسارات بكر بلا حدود، والتمرد المشروع على ذواتنا بغية التغيير الإيجابي والوصول لأفضل صيرورة.
لندرك هنا أن الأشياء التي نبتكرها تغيرنا بشكل عميق جداً، بدءاً بإعادة تأهيل فكرٍ متأججٍ على لظى الخوف من العبور، مركون خلف أحراش الكلاسيكية المقيتة وروتين الثوابت المملة، مع إعطائه الفرصة ليتنفس بعيداً عن رهج ثرثرة اللاجدوى، وصولاً إلى كائنٍ في قمة نضجه النفسي، مؤمن ومتشبث بالفرص، يجيد التنقيب عن لغة جديدة، ليتفاعل مع كل التغييرات بوعي كامل، وإيمان تام بسبل الخلاص من هذا التمزق، والاستبداد الأيديولوجي المتوارث عنوة كطقس اجتماعي، متلافياً الصدام، متشبثاً بحوار منصف بلا تركيعٍ للآخر، في محاولة للوصول إلى مكان أبعد في التغيير والفعل والتحليق خارج السرب.