تفاصيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

أمازالت تشغلنا تلك التفاصيل الصغيرة، وتفيض على ضفاف أرواحنا ذكرياتنا التليدة؟ طقوس تلك اللغة التي تدلف الروح لتتنفس بين أضلاعنا، أمازلنا نفهمها؟ أم هي مباغتة مبهمة؟ وفي زمرة الأحداث أين تهرول كلماتنا؟ أتضل طريقها أم تستر خلف ألف سؤال؟

فإذا ما سلمنا جدلاً أن الأدوات التي نبتكرها في حفظ ذكرياتنا وأوقات استحضارها تغيرنا بشكل عميق، نكون قد لمسنا طرف الخيط، فبعض هذه الذكريات تغيرنا بطريقة لا يمكن الرجوع عنها بالأساس، فضفاف ذلك الحنين الذي سافرت منه صواري البوح خلف غياهب السنين، يجعل السؤال يشرئب في داخلي دوماً، أهو صراط يربط الأفول والاتقاد، الصمود والاستسلام، لنسير عليه نحو لا مكان؟، أم هي الأوطان الكامنة في دواخلنا، والتي نحنّ إليها، التي توارت دون الإعلان عن زوالها المفاجئ؟.

فهل تستوعب ذاكرة أجسادنا كل تلك الذكريات؟ وهل نهوى أن نكون عالقين بين أصفاد الأزمنة تلك، أم أننا بطريقة روتينية بحتة نقدس «النستولوجيا» والتي تعرف بالحنين للماضي كتميمة عرفان على رقع وقتنا المتهالك؟

الذكريات هذبت تفكيري بشكل كبير، فلم أعد أتجرأ على الركض لمسافات أبعد بالذاكرة، كي لا أستشعر الاغتراب الشديد الذي قد يدخلني في حالة عنيفة من الحنين، وثبة التفاصيل تلك على منكبي أيامنا، تتشبث بنواصي الخلود، كظل أجل زحفه نحو المدى، كضجيج عابر لحدود الكيف والكم، يترك تقاسيمنا ممتلئة بالطمأنينة، ارتواء تام، حتى صار الأمس القريب مجرد متعة «كلاسيكية» المذاق ترقد في توابيت الانتظار، ربما قدر لها البعث مرة أخرى، وها هي كافة المكتسبات تتهازل أمام ذلك السقوط الحر من أعلى سفح الحياة، لتلملمنا الذكريات من جديد ونغرق بالتفاصيل.

 
Email