مدرسة صفا..

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يغفُ الهدوء يوماً وسط حاراتنا الممتلئة بالضجيج والفرح، لاسيما في أول يوم دراسي، فرائحة الفطور العابرة للطرقات والمنازل المتراصة، وثرثرة صبيان الحارة وهم ينتظرون الحافلة، التي كان هدير محركها منبهاً جيداً للتأهب قبل ميعاد وصولها، وتباهي الفتيات بحقائبهن العصرية، ورائحة الأرض والنباتات الممتلئة بالندى، طقوس مألوفة منذ اليوم الأول، وحتى تطوي السنة سجلها، كان كالإيذانِ ببدء رحلة مختلفة، حياة جديدة، لم تتوقف وتَرْكن على نواصي البيوت والحارات، إنما كانت تكمل رحلتها بالأصوات الهاربة من الطابور الصباحي في كل حدب وصوب، و«عيشي بلادي.. عاش اتحاد إماراتنا»، التي يتغنى به الطلبة لِتَدلُف البيوت، فتُطرب الأمهات في ميعاد قهوتهن الصباحية مع الجارات والأحبة!

«مدرسة صفا.. اتحاد.. انتباه.. قوة» نرددها بأعلى صوت قبل أن نمضي بصفوف منتظمة إلى حلم قصي، على مقاعد متراصة، وأقلام رصاص تدون عناوين العزيمة بين سطور عمرنا، ورائحة الكتب الدراسية الجديدة والدفاتر، التي لم ندون بها طموحاتنا بعد، كانت كالحلم الذي بقي بين تلافيف الذاكرة حتى اليوم، ورأيته واستشعرته من جديد، وأنا أرى طلبة الإمارات يعودون بفرح إلى المدارس، يحتضنون أحلامهم.

يصافحون التحدي، مؤمنين بأنهم سيكسبون الرهان، فرحة بعد انقطاع طال عن أروقة المدرسة والصحبة والسبورات العريضة، والمقاعد الماثلة بهدوء أمام بوصلة التميز، وحضور المعلم الملهم في قلب الصف، يُحيِي ويشجع ويُعطي بحب، فبيئة المدرسة ليست كأي بيئة أخرى، هي المنهل ومركز النظام، هي الأرض التي تنبت بها الإرادة والإلهام والعزيمة، هي الوطن الذي يجند طاقات عانقت الفضاء اليوم، هي التمكين الحقيقي للمواهب الدفينة، هي عتبة الوصول الأولى نحو الحلم!

وما قدمته دولتنا الغالية اليوم من نظام احترازي متقن ودقيق لعودة الطلبة آمنين للتعليم الحضوري، يأتي من حرصها العميق على إعداد جيل قادر على مجابهة التحديات وخوضها بكل بسالة، جيل يستطيع أن يواكب الظروف مهما كانت، يمضي بعزم ليحقق رفعة الوطن، فهنيئاً للإمارات بكسب الرهان، وهنيئاً لطلبة الوطن الذين قبِلوا التحدي.

Email