محاكمنا الشخصية..!

ت + ت - الحجم الطبيعي

«من لا يؤدبه الضمير، تؤدبه الحياة حين تدور»، استوقفتني هذه الكلمات لنجيب محفوظ، فتساءلت، هل وهنت قوى الضمير في دواخلنا، وانسلخت منا بلا هوادة.. لتمارس الحياة حقها الطبيعي في القصاص العادل..؟ هل تعطلت حاسة الضمير عند بعض منا فلم يعد يرى أو يسمع أو يشعر «بإنسانيته»..؟

من البديهي أن الضمير ليس صفة وراثية، إنما «مارد» متمرد في دواخلك العميقة، تروضه على التمييز بين الخطأ والصواب، وتهذبه على الشعور بالندم عندما تتعارض الأشياء التي تقوم بها مع قيمك، وعلى الشعور بالنزاهة عندما تتفق أفعالك مع أخلاقك، وعلى الرضا بين هذا كله، حينما لا يدس الضمير المحتضر أشواكه في وسادتك ليلاً، فيقض مضجعك..!

فمطرقة الضمير تطرق سندان الروح كل ليلة، أنت المتهم والشاهد والقاضي، تنظر في جميع الوقائع التي حصلت، تقيّم أحداثها، وتعيد تفحصها بِرَويةٍ، ليستفيق مارد الضمير من قُمقمِه المغمور في داخلك، لتراجع نفسك وتنقذ ما أفسدته في أحيان كثيرة، ولكن ماذا لو لم يستفق المارد؟ وهذا هو السؤال الأهم، فهل سنكون محور الفوضى الكونية والاجتماعية آنذاك؟! هل ستحاصرنا الأيام بتبعاتها؟ والأهم من ذلك كله، هل ستعفو عنا ضمائرنا؟

الحل برأيي هو تفعيل «محاكمنا الشخصية» التي تقطن في دواخلنا، أن نحاكم ذواتنا عبر هذا الضمير الذي يستمد زخمه مما نعرف أنه صواب، أن نتصالح مع ذواتنا أولاً والآخرين ثانياً، لتلتئم تلك العلاقات الإنسانية القابعة على شفا جرفٍ من جحيم الخُطوب والاستبداد، وأن يطفو الرضا على مساحات أرواحنا المتصحرة.

مواقف كثيرة تمر أمامنا، نسمع فيها الشهقات الأخيرة للضمير في نفوس بعضهم، غير آبهين بما قد يعاني الآخرون من تصرفات وقرارات يرزحون بها تحت وطأة الظلم، ولأجل ذلك كله، ألم يحن الوقت بعد لأن يتنفس الحق بنزاهة.. كيلا يختنق مارد الضمير في قمقمه.. ونسلم من دوائِر الأيام؟!

 

Email