قمّة الإحسان

ت + ت - الحجم الطبيعي

من منّا لا يعرف الإحسان؟ ولكن ندرة هم الذين يعرفون قمته. ذكر الدكتور محمد المرزوقي في ورشته الافتراضيّة الأخيرة «أنّ ما يتوّج عطاءاتك هو أن تخلص النيّة في الإحسان من دون انتظار مقابل». وعندما كنت أتحدث لزميل لي في العمل سألته عما يعتقده سراً من أسرار النجاح ليشاركني «Don't be reactive, be proactive».

يعني أنه لا تكن أفعالك ردود فعل تجاه طلب الغير بل بادر بما لم يُطلب قبل أن يُطلب. حاولت الربط بين الدرسين الذين تعلمتهما أعلاه، ولكنّي مررت بموقف تجلى فيه الدرسان معاً من دون الحاجة لأن أقوم بعملية الربط بنفسي.

أرسلت لمعلمي الأستاذ الفاضل منصور أبو صفيّة، الذي درّسني في الثانوية العامة، نسخة من كتابي القادم «ما لم تقله أمي». كنت أود مشاركة الكتاب معه وأخذ رأيه بالغلاف وبأهم ما تم ذكره من محتوى. ولكنّه بادر بإحسانه ليريني جزءاً من قمّة الإحسان الذي وصل إليه مقدماً لي درساً جميلاً وددت نقله ونشره. لم يكتفِ بتشجيعي والإطراء على محتوى الكتاب بل قدّم لي نصائح أبويّة وتعليميّة.

فوجئت بأنّه خصص من وقته وجهده ليتواصل معي مشاركاً إيّاي ملاحظاته وتدقيقاته اللغويّة صفحة صفحة من دون أن أطلب منه ذلك. وسط انشغالاته الكثيرة، تخيلته يقرأ من شاشة الهاتف الصغيرة ويدوّن ملاحظاته بدقة متناهية على دفتر. سقطت الهمزة سهواً هنا، لتعلمني أننا من دون الإحسان نسقط سهواً. وجُرّ ما يجب أن يُرفع هناك لأدرك أنه لا يجر الإحسان إلّا الرفعة.

استأذنت من معلمي أن أذكر اسمه في الكتاب لجهوده التي قدّمها وأن يكون هو المدقق اللغويّ حفاظاً على حقه الأدبيّ، ولكنّه رد بالحرف الواحد «أشكرك لا أحب أن أحمد بما لم أعمل أكتفي منك بدعوة صادقة.. ولا اسم يزاحم اسمك على الكتاب.. أشكر لطفك». أنت من تُشكر على لُطفك معلمي الفاضل. لم تكتفِ بتعليمي على مقاعد الثانويّة بل حتى على صعيد الحياة بقيت معلماً وملهماً.

Email