الوظيفة مدى الحياة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكدت معظم الدراسات التي أجريت في سبعينيات القرن الماضي «أن المديرين يرون أن العمل يحتاج إلى عقل الموظف وليس إلى قلبه»، إلا أن الدراسات الحديثة التي أجريت خلال العقدين الماضيين من القرن الحادي والعشرين وشملت القادة ورؤساء العمل والموظفين، أثبتت نتائجها أن «العمل يحتاج إلى عقل وقلب الموظف معاً.

لكن الولاء هو ما يحتاج إلى القلب أكثر من العقل»، وعند تحليل الاستطلاعات تبين أن «التضحية والحماس والطاقة الإيجابية وزيادة الإنتاجية كلها عناصر مرتبطة ارتباطاً مباشراً بالولاء، والولاء مرتبط بالوجدان، والوجدان محله القلب».

الأمان الوظيفي يقع من الموظف موقع القلب من الجسد، فهو لم يكن يوماً ما هامشياً في حياته المهنية والعائلية، لا في الوظيفة العامة ولا الخاصة، بل كان وسيظل ركيزة رئيسية من خلالها يتحرر الموظف من الخوف والهواجس النفسية الخفية الداخلية، وبواسطته ترفع درجة الطمأنينة والسكينة والتفاؤل بالمستقبل، هو من يحمي الموظف من شبح الفصل التعسفي والمرض والعجز والكبر، فحيثما يوجد الأمان الوظيفي، يوجد الاستقرار وبيئة العمل الجاذبة لكل كفاءات بني البشر.

نرى أن الأمان الوظيفي ليس حافزاً من الحوافز المؤسسية المؤقتة، التي تقدمها المؤسسة للموظف، بل هو حق جوهري من الحقوق الوظيفية المكتسبة، يسن ويشرع بالقانون، ويحوكم باللوائح والأنظمة، وهنا لا يقتصر المفهوم العام للأمان الوظيفي على تأمين المعاش التقاعدي للموظف فحسب.

بل يجب أن يتعدى ذلك إلى وضع السياسات الضامنة لتوفير الحماية الدائمة والأمان المالي والنفسي والصحي والتعليمي والأسري، وبالتالي أي أنظمة أو سياسات أو استراتيجيات مؤسسية لا تراعي الأمان الوظيفي في مفهومه العام ستظل تمثل ثغرة تنظيمية في قطاعات العمل، أياً كان القطاع حكومياً أو خاصاً.

علينا أن ندرك جميعاً أن الموظف هو في الأصل إنسان، وأن يعيش حياته المهنية، وهو تحت تهديد الفصل التعسفي، أو شبح العجز الوظيفي، وبينهما وطأة الالتزامات العائلية، وتقلبات الأيام والسنين، حتى يبلغ من الكبر عتياً، ومع تطور مفاهيم العمل، فإن الحديث عن الرضا والسعادة والجاذبية في البيئة الوظيفية يصبح ضرباً من الخيال.

الوظيفة هي مصدر للعيش والسعادة، واستمرارية الحياة، ففي دولة مثل اليابان، لا فصل ولا تقاعد لكبار السن من الموظفين، «إلا إذا رغب الموظف في ذلك»، فمن يتجاوز الـستين عاماً من العمر، أو يمضي عشرين عاماً في خدمة مؤسسته، يرقى مسماه الوظيفي إلى «خبير معرفة».. إنها الشراكة الوظيفية مدى الحياة.

Email