بين الحاجة والمظاهر

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبحت المظاهر تحتل جانباً كبيراً في حياة بعض الناس بما يملكون وما لا يملكون، وباتوا يشاركون صور ملابسهم الجديدة وسياراتهم الفارهة عبر حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى يعلم الجميع بمستواهم الاجتماعي وذوقهم العالي وروعة اختيارهم، لذا أصبح شغلهم الشاغل التباهي والتفاخر أمام الناس حتى ولو اضطروا لأخذ قروض من البنك، فاختلطت عندهم المفاهيم وأصبحوا لا يميزون بين الحاجة الحقيقية والمظاهر الزائفة.

يقول أحدهم لأحد أصدقائه متفاجئاً «لمَ غيرت سيارتك الجديدة التي اشتريتها منذ ستة أشهر، لم ألحظ بها أي خلل؟» فيرد عليه ساخراً «نحن نضطر أحياناً إلى مجاراة من هم حولنا لنريهم بأنهم ليسوا أفضل منا». كم هو متعِب أن يعيش البعض بشخصية لا تشبههم ليشعروا بالأهمية الفارغة، وتكون حجتهم أنهم لا يستطيعون الظهور بشكل طبيعي في زمن فرض عليهم أسلوب حياة جديدة.

«نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا» - الإمام الشافعي.

أصبح شبح الديون يطارد بعض الشباب بسبب المظاهر الاجتماعية التي أصبحت هماً كبيراً يؤرقهم دائماً ويعرقل مسيرة حياتهم الطبيعية، فتجدهم مكبلين بهمّ الديون من دون أن يشعروا بأسباب تورطهم بها. ولكن لو تعمقنا في أسباب وقوعهم في هاوية الديون التي توصلهم إلى مرحلة تقشف ملحوظ لوجدنا أن أسبابها الرئيسية تكمن في غياب القناعة والرضا بما قدره الله لهم.

لو قلبنا الصفحات إلى الطريقة التي تربى عليها هؤلاء الشباب لوجدنا أن هناك قصوراً واضحاً في تعليمهم القناعة والرضا. فتعليم الأطفال يبدأ من القدوة، فهو يحاول باستمرار تقليد الوالدين في تصرفاتهم وطريقة تفكيرهم، فإذا شعر الطفل بأن والديه راضيان وسعيدان فسينعكس ذلك على شعوره الداخلي. أما إذا لاحظ الطفل مبالغتهم في شراء ما يحتاجونه وما لا يحتاجونه سيركز الطفل على ذلك وسيكون نسخة مكررة منهم.

«العلم في الصغر كالنقش على الحجر».

يجب تدريب الأطفال على الامتنان والشكر منذ الصغر، والذي سيشعره بالراحة، لأن ذلك يمكنه من التفكير الإيجابي ويبعدهُ تماماً عن التفكير بالنواقص فيصبح ممتناً لكل الأمور الإيجابية في حياته. وتعليم الطفل على العطاء يجعله قنوعاً لأنه يعزز شعوره بالرضا، والذي يكون بتقديم الصدقات والملابس والألعاب للفقراء، والذي سيعلمه التعاطف مع الآخرين. وقراءة القصص التوعوية عن القناعة والطمع التي فيها عبرة تمكنهم من تجنب العثرات في حياتهم.

أطفال اليوم هم شباب الغد ورجال المستقبل، لنغرس فيهم القناعة والرضا ليتعرفوا على حاجاتهم الأساسية نحو تحقيق النجاح وليس بالتركيز على المظاهر السطحية.

Email