أنا ومن بعدي الطوفان

ت + ت - الحجم الطبيعي

استمرّ زواجهما لسنواتٍ طويلة عاشا فيها حياة هادئة لا تتخللها أية مشاكل، وازدادت حياتهما رونقاً بإنجاب الطفل الأول والثاني، ولكن سرعان ما بدأ كيان هذه الأسرة يتصدع لأنها تفتقر لجانب أساسي في الحياة الأسرية وهو التربية، وذلك بسبب إهمال الزوجة لدورها المهم كأم في غياب الزوج في عمله الشاق. ولأن الزوج يبذل قصارى جهده في إسعاد أسرته، لم يخطر بباله في يوم أن يعكر صفوَ أسرته الصغيرة أي شيء كونهُ مقدراً لزوجته ومحباً جداً لأبنائه.

ولكن الزوجة كانت تشعر بأن هذا الزواج لا يشكل مرآة تعكس ما تراه في نفسها من تميّز؛ لذا طلبت الانفصال عن الزوج والتنازل عن حضانة الأبناء.

والأمَرّ من ذلك، أن الزوج اكتشف أن الزوجة كانت تخطط لهذا الانفصال منذ فترة طويلة، ولكن لم يحالفها الحظ. حينها جثم الضيق على صدر الزوج، وكاد يهشّم أضلعه فكيف تطلب الانفصال ولديهما أبناء، وما الخطأ الذي اقترفه في حقها حتى تتخذ هذا القرار الأناني في حق أبنائها.

«أغالب فيك الشوق والشوق أغلبُ وأعجب من ذا الهجر والوصلُ أعجبُ» - المتنبي.

العلاقة الزوجية تُبنى على مبدأ الاهتمام المتبادل، والتغافل عن بعض الأخطاء، ولكن حينما يعتمد أحد الأطراف على الأخذ والحب المرضي للذات «النرجسية» باستخدام مبدأ «أنا ومن بعدي الطوفان»، فإن الحياة الزوجية تصبح جحيماً لا يُطاق، فتصل الأمور بين الزوجين إلى طريق مسدود فتنتهي العلاقة.

الشخصية النرجسية دائماً تحتاج أن تكون محور الاهتمام؛ لذا تبالغ في تعظيم النفس حتى ولو كان على حساب المقربين كالزوج والأبناء، وذلك لأن مشاعر التعاطف مع من حولها ضئيلة جداً. وهذه الشخصية لديها مبررات لا تنتهي لكل سلوك، وعادةً تستخدم الزوج والأبناء شماعة لتلقي اللوم عليهم. والأبناء لا يستطيعون الاستقلال بشكل تام عن الأم؛ لأنهم يشعرون بذلك بأنهم مقصرون في حقها خصوصاً مع الأم النرجسية، التي تبتز الأطفال عاطفياً لإشباع شعورها بالكمال والمثالية.

بعض الأمهات التي تتصف بالنرجسية تدفع أبناءها بسوء تصرفاتها معهم إلى عقوقها والتمرد عليها، فيتصدع جدار البر الواجب على الأبناء، فتعيش الأسرة جواً مشحوناً بالغضب والكراهية. ولكن يجب على الأبناء التفهّم أن هذه الأم ربما تعاني آثار قسوة ذاقت مرارتها في طفولتها؛ لذا يتوجب عليهم برّها. أما الأب المحِب فيجب عليه احتواء الأبناء وتعويضهم وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي يتم غرسها فيهم، وسيكسب بذلك قلب الأبناء وبرّهم في الدنيا والآخرة.

 

Email