انتهى زمن الاستعمار يا ترودو

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تملك أي دولة في العالم أن تُملي على دولة أخرى شكل نظامها القضائي ولا طبيعة علاقتها مع مواطنيها، ومن باب أولى التدخل في شؤونها الداخلية وإصدار الأوامر وطلب تنفيذها «فوراً». لقد انتهى زمن الاستعمار أيها السادة!

هذه بدهية في العلاقات بين دول العالم ، التي يبدو أن الحكومة الكندية الحالية لا تدركها، بدليل التصريحات الأخيرة لوزيرة خارجيتها التي تدخلت فيها في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية.

وبدلاً من تصحيح الخطأ والاعتذار، جاء رئيس الوزراء جاستن ترودو ليصب الزيت على النار ويؤكد دعمه الوزيرة وموقفها تحت حجة أن «كندا ستواصل الحديث عن حقوق الإنسان وبقوة»، بل إن رئيسة وزراء مقاطعة ألبرتا، وهي يسارية، زادت بالدعوة إلى تقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية «لكي نتمكن من الحديث عن حقوق الإنسان بشكل أقوى».

تمنيت لو أستطيع افتراض حسن النوايا هنا، فأين كانت حقوق الإنسان وأنتم تصمتون على كل انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين، ومعاناة الأسرى الذين يوجد بينهم مئات الأطفال، ولم نسمع من حكومتكم أي انتقاد حتى لا تُغضب الناخبين الإسرائيليين الكنديين (وخاصة المقيمين في مستوطنات الضفة الغربية وأعضاء حزب إسرائيل بيتنا اليميني المتطرف).

وأين كان اهتمامكم بحقوق الإنسان في تجاوزات النظام الإيراني، وآخرها اغتصاب ما يقارب خمسين من النساء المسلمات البلوشيات عقاباً لأقاربهن الناشطين ضد ظلم الملالي وإجرامهم؟ لم نسمع شيئاً حتى لا يغضب اللوبي الإيراني في أونتاريو، والناخبون الصفويون في كيبيك.

نحن لسنا سذجاً أيها السادة! فمن تسمونهم نشطاء مجتمع مدني هم في الغالب أشخاص يتلقون تدريبات وتمويلاً ودعماً إعلامياً وسياسياً لتنفيذ أجندات محددة الأهداف، والغريب أنكم تدافعون عن موقوفين محددين من دون سواهم، كأنكم تعترفون ابتداءً بالذنب في أنكم تدافعون فقط عمن تدعمونهم أو من يخدمون أجنداتكم، وليس عن مبدأ حقوق الإنسان الذي من الواضح أنكم تتعاملون معه بانتقائية وقحة.

ونحن دول مستقلة كذلك أيها السادة! لنا سيادتنا ولنا أنظمتنا القضائية التي يجب احترامها، وإذا كان لا يجــوز لوزير في إحدى دولنا أن يعلّق على قرار قضائي للنائب العام فمن أعطى وزراءكم الحق في انتقاده والمطالبة بإلغائه وتجاوزه؟ إذا لم يكن هذا اعتداء على سيادة دولنا فما هو إذن؟

عليكم أن تدركوا حقيقة مهمة أن ازرقاق عيونكم وابيضاض بشرتكم لا يعطيكم أي ميزة علينا، وأن الفكرة العنصرية القائمة على تفوق الغرب، وبالتالي حق الغرب في التدخل في شؤون دول العالم كما يريد، هي مجرد فكرة عبثية حمقاء موروثة من عهود الاستعمار.

أدرك أن بعض حكايات دور العجزة في كندا تطرح دائماً سؤالاً: لماذا لم نحتل دولاً أخرى مثلما فعلت بريطانيا وفرنسا؟ وأدرك أيضاً أن بعض أوهام السياسيين الكنديين اليوم هي تعويض ذلك من خلال التدخل في شؤون الغير تحت شمّاعة حقوق الإنسان، ولكن دعني أقلها لك بكل صراحة: العبوا غيرها!

وأخيراً سيد ترودو، لدي سؤال بسيط لك: ما هي عقوبة تلقي أموال من جهة أجنبية للتدخل في الشؤون الداخلية لبلادك حسب القانون الكندي؟ هل تعرف الجواب عن هذا السؤال سيد ترودو أم أخبرك؟

Email