سلوى والرعب

ت + ت - الحجم الطبيعي

هنالك مشهد مألوف على الشاشة الصغيرة: شخص يرتكب جريمة، ثم يرتب هندامه ويخرج بين الجموع بمظهر متماسك، وبرباطة جأش لإخفاء صلته بالجريمة. علماء النفس يقولون إن هذا الشخص يكون في هذه اللحظات، ممتلئاً رعباً وخوفاً من احتمال انكشاف أمره.

تذكرت هذه المعلومة، وأنا أتابع بعض ردود الفعل القطرية الأكثر غباء على مشروع قناة سلوى، فما تظهره ألسنتهم وكلماتهم المليئة بغرور أجوف، يكشف الكثير الكثير عن حجم القلق والرعب الذي يكتنف تنظيم الحمدين وتابعيه، من الدلالة النفسية والمعنوية لعزل قطر كلها، في جزء من جزيرة سلوى، وما سيعنيه ذلك لأبناء الشعب القطري المظلوم.

لكن دعونا نعود إلى البديهيات، فقطر تحولت منذ عام 1995، إلى جزيرة معزولة ومنعزلة، وبعيدة كل البعد عن محيطها الخليجي والعربي والإسلامي، وحتى الإنساني، وهذه هي النتيجة الطبيعية عندما لا يكون لك من حلفاء في المنطقة إلا الإرهاب وداعموه الرسميون وغير الرسميين.

وما تفعله قناة سلوى، هو باختصار أنها تؤكد المؤكد، وترسم على الأرض ما هو مرسوم فعلاً في السياسة والأمن والعلاقات الثنائية وعلى الورق.

والمئتا متر التي سيتكون منها عرض قناة سلوى، ليست مسافة كبيرة في مساحات الأرض، لكنها تعكس على الأرض كم أصبحت المسافة بعيدة ومتباعدة بين الدوحة وشقيقاتها الخليجيات والعربيات!

ولو كان لدى من يحكمون قطر اليوم بقية من عقل، لقدموا احتجاجاً عاجلاً إلى أنفسهم، ولأصدروا مئات بيانات الشجب والإدانة لأفعالهم، ولهرولوا إلى الرياض معترفين بأخطائهم وخطاياهم، لأنه عندما يضطر الشقيق الأقرب إليك إلى قصك بالمقص، فهذا يعني أن الألم من تصرفاتك بلغ منتهاه، وأن الشقيق فقد أي أمل في عودتك لرشدك وصوابك.

صحيح أن جزيرة سلوى لن تكون كلها أراضٍ قطرية، لكن الأشقاء في السعودية لم يكونوا ليقدموا على هذه الخطوة لولا تعنت حكام قطر وإصرارهم على خطاياهم بغرور أحمق.

والسعوديون معروفون بالصبر في علاقاتهم مع أشقائهم، لكن لعل الصبر لم يعد فيه من مزيد بعد 23 سنة من أذى تنظيم الحمدين العلني والسري.

وقطر، وهي الدولة الخليجية الوحيدة اليوم التي تحتل أراضي دولة خليجية أخرى، بشكل غير قانوني، هي آخر من يحق له الحديث عن قطع الروابط والأواصر، فدماء البحرينيين الأبرياء عام 1937، لا تزال زكية لم تجف، ورشاوى التحكيم عام 1999، لا تزال رائحتها تزكم الأنوف، ولعله آن أوان فتح هذا الملف من أوسع أبوابه، لتعود الحقوق المشروعة إلى الأشقاء في مملكة البحرين العزيزة.

كم كنا نتمنى أن تكون قناة سلوى مشروعاً مشتركاً سعودياً إماراتياً بحرينيا قطرياً، لتنشيط السياحة البينية بين دول الخليج الشقيقة، ولكن وحده الغرور القاتل، هو ما جعلها صفعة أخرى على وجه من لا يرى أبعد من أنفه.

ويبقى السؤال الأمل: ترى متى يسود العقل ربوع الدوحة، ويطل علينا من وجبتها أمير أصيل، يقول: يا شعبي العزيز، تقديراً لأواصر الأخوة، أعلن مبادرة دولة قطر ببناء جسر الشيخ زايد مع الأشقاء في الإمارات، وجسر الشيخ عيسى مع الأشقاء في البحرين، وجسر الملك سلمان فوق قناة سلوى؟، حلم، نعم، لكنه ليس مستحيلاً عند من يصدقون النوايا.

Email