بين إعلامنا وطموحاتنا

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل يُعقل أننا نستطيع تصميم وتصنيع وإدارة قمر صناعي بمستوى وجودة قمرنا الجديد «خليفة سات» ولا نستطيع إنتاج وتسويق برنامج تلفزيوني يجذب المشاهد من الخليج إلى المحيط سواء للدفاع عن الدولة أو لشرح مواقفها؟

لعل خلوة مستقبل الإعلام الإماراتي، التي نظّمها المجلس الوطني للإعلام مطلع الأسبوع، كانت محاولة جادّة للإجابة عن هذا السؤال، ما يفسّر اهتمام القيادة بها على أعلى مستوى، بدليل حضور صاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، رعاه الله، وسمو نائبيه للمشاركة في فعاليات الخلوة ونقاشاتها وعصفها الذهني.

ولا بد لنا هنا من الاعتراف أن هنالك ثغرات ومعيقات في واقع إعلامنا الإماراتي تحتاج إلى علاج، والمشكلة ليست داخلية فحسب، فهي أكثر وضوحاً على الصعيد الخارجي، وخاصة لجهة مساحة تأثير إعلامنا خليجياً وعربياً وإقليمياً مقابل الاستثمارات الضخمة التي توجّهها أطراف أخرى للإعلام الموجّه (ضدّنا، في بيوتنا وفي بيوت المنطقة كلها)، والنتيجة أنهم يكذبون كِذبةً عنّا فتنتشر ويصدّقها الناس، وليس فقط السذّج، بينما يتركّز كثير من تعاملنا الإعلامي على مخاطبة الذات من دون رؤية شمولية للأحداث ومتطلبات التفاعل معها.

الإعلام أيها السادة هو المكوّن الأساسي في القوة الناعمة وإذا أردنا تعزيز تأثيرنا الإيجابي في محيطنا ومواجهة طوفان الأكاذيب والافتراءات والتنافس السلبي الموجّه ضدنا، وإذا أردنا إعلاماً يواكب طموحاتنا السامقة إلى العُلا، فلا بد لنا من إعادة النظر في رؤيتنا الإعلامية، ولا بد من العمل وفق استراتيجية إعلامية متكاملة ضمن منظور وطني شامل، ولعل أول متطلبات ذلك إدخال مفاهيم التخطيط الاستراتيجي إلى مؤسساتنا الإعلامية وعملنا الإعلامي كله.

ومن الأولويات التي يجبُ العمل على تنفيذها في هذا السياق تعزيز التوطين في المجال الإعلامي، وتوفير تدريب مهني متخصص لما بعد الدراسة الجامعية، وليكن في مؤسسات إعلامية دولية لبناء نخبة شابّة محترفة قادرة على إحداث فرق في المشهد الإعلامي بدلاً من الحالة الراهنة التي تتقاطع فيها الاعتبارات المهنية مع الاعتبارات غير المهنية في حالات غير قليلة.

مثلما نحتاج، أيضا، إلى مراجعة حضورنا الدولي لدراسة مدى جدواه وتأثيره في خدمة مصالح الدولة، ولعل تجربة بعض الأفلام العالمية التي أُنتجت بتمويل إماراتي مثال على ذلك، فالنتيجة الإعلامية لها جُيّرت لجهات ودول أخرى ولم يردْ ذكر الإمارات إلا في كادر الأسماء وبخطٍّ غير مقروء.

لكن هذا لا ينفي وجود نماذج جيدة وإيجابية لنجاحات إعلامية إماراتية، تستحق أن نبني عليها وأن نعزز نجاحاتها لخدمة الأجندة الوطنية الإماراتية وإيصال رسالة الدولة لمحيطها، سواء على الصعيد الخليجي أو العربي أو العالمي.

وأعتقد أن المهم هنا البناء على إمكانياتنا غير المستخدمة، فهنالك صحف ومجلات إماراتية (غير سياسية) تصل اليوم إلى كل الدول العربية بغالبية مدنها وحتى خارجها، كما إن بعض برامج المنوّعات الخفيفة في قنواتنا تكاد تكون من الأكثر مشاهدة عربياً، ما يعني أننا قادرون تقنياً على الوصول إلى كل جمهورنا المستهدف، ولكن هل نوصل المضمون الذي يخدم مصالحنا؟ مجرد سؤال ينتظر الإجابة العملية!

 

Email