مقدَّر ومكتوب

ت + ت - الحجم الطبيعي

تسأل إحداهن صديقتها: «أين أبناء قريبتك؟ لمَ لم تحضر أبناءها حتى يستمتعوا باللعب مع باقي الصغار». فتجيبها بحزن وحرقة قلب: ليس لديها أبناء، مسكينة كبِرت وفاتها القطار.

تنشأ بعض الفتيات في مجتمعاتنا على مفهوم محبط وخاطئ وهو «القطار» الذي يجب أن تحرص الفتاة كل الحرص على ألا يفوتها حتى تنجو من كلمة «عانس» مصحوبة بنظرات الشفقة التي تلاحقها مدى الحياة، وذلك لأن بعض أفراد المجتمع يؤمن بأن طريق الزواج هو طريق النساء الأوحد للسعادة.

يرى الأغلبية أن المرأة المتزوجة والتي لها أبناء، بغض النظر عن كونها سعيدة أم لا أو قد حققت طموحاتها أم لم تحققها، أكثر حظاً من امرأة تعلمت ونجحت في مجالها العلمي والعملي. فالأولى بخير طالما أنها متزوجة، أما الثانية فهي مثيرة للشفقة لأنها مسكينة «عانس». ألا يمكن أن تكون الثانية أكثر سعادة من الأولى؟ وهل هدف كل امرأة في هذه الحياة هو الزواج فقط، حتى ولو كان الرجل غير صالح؟ كما يقول البعض «لا تفكر في الأخلاق فالرجل لا يعيبه إلا جيبه».

وتؤكد هذه المقولة إحدى الأخوات بقولها: «إن هذه المقولة صحيحة 100% فبناءً على تجربتي أنصح كل فتاة أن تسأل عن مدى قدرة الرجل المادية أولاً ولتتجاهل العمر والأخلاق». أوليس هذا ما سيحتم تعاستها الأبدية؟

للأسف بعض الأمهات تجعل موضوع تأخر الزواج عند ابنتها وكأنه ذنبها، فتجد بعض الأمهات تحزن عندما ترى بنات صديقاتها يتزوجن وابنتها لم يطرق النصيب بابها بعد، فتردد بعض الكلمات المؤلمة على مسامع ابنتها بنعتها بالمنحوسة أو صاحبة الحظ السيئ لأن الله لا يستجيب لأي دعاء إذا كان يخصها، ناسية أو متناسية بأن الإنسان إذا دعا الله ولم يستجب له، فإما أن الله يدخره له، وإما أن يدفع عنه شراً أعظم مما سأل.

يشقى الأهلُ سنين طوالاً في سبيل أولادهم ليحظوا بحياة طيبة، لكن السؤال هنا: «طوال هذه السنين، هل انتبه الأهل على أولادهم كيف كبروا»؟

هل عرفوا متى أحبوا أول مرة؟ متى بكوا حين خسروا أشياء وأشخاصاً؟ متى تعرَّضوا للغدر من أقرب الناس؟ هل انتبهوا أنه في سنّ المراهقة، للحظة أرادوا الانتحار؟ أن أصدقاءه في المدرسة أو الكلية نعتوه بالضعيف؟ أن رفيقاتها في المدرسة نعتنها بالقبيحة؟ هل انتبهوا يوم رجعوا من المدرسة لعلامات الضيق والقلق على وجوههم؟ هل عرفوا أنها أول مرة يكسر الحب الطفولي قلبهم الصغير؟ وهل لاحظوا مدى حماسهم عندما كانوا يتحدَّثون عن الأمور البسيطة التي تُسعدهم؟

كفاكم تحطيماً لأبنائكم، الزواج يعتبر من القدر المكتوب في اللوح المحفوظ لما ورد في صحيح مسلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة). إذاً هذه الفتاة ليست مسكينة فاتها القطار لأنه مقدر ومكتوب.

 

Email