نحن أولاً وأخيراً بشر

ت + ت - الحجم الطبيعي

أغلب الإخفاقات في الحياة والاضطرابات النفسية سببها الأول هو عدم رضا الإنسان بما كتبه الله وقدره له، فما إن تصيبه سهام الحياة وتنهال عليه المحن والإحباطات والهزائم النفسيَّة، حتى يدخِل نفسه في دوامة جلد الذات التي تغمره بالشعور السلبي والعجز عن مواجهة الفشل.


فجلد الذات له آثار سلبية ليس فقط على الإنسان ولكن على المجتمع وله نتائج مزمنة في أغلب المجالات في الحياة، منها انعدام القدرة على الإبداع ومواجهة الأزمات وتدمير التواصل الفعال في العلاقات وفقدان الأمل من النجاح في المستقبل.

وأكبر خطأ يقع فيه كثير من الناس هم الذين يقومون بجلد الذات بدلاً من محاسبة النفس ونقدها النقد الإيجابي الذي يمكنهم من التعرف على مواطن التقصير والخطأ الذي يفسح لهم المجال لمعالجتها.


خلَق الله الإنسان مكرماً بقوله تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (الإسراء: 70)، وهذا التكريم اقْتضَى الحفاظ على النفس وعدم إلحاق الأذى والضرر بها، فلا يجوز الاعتداء عليها من قِبَل أصحابها بالتعذيب أو الجلد. فالاستمرار بجلد الذات دون معرفة طرق العلاج هو تعذيب للجسد والروح دون معرفة الأخطاء.


يجب علينا محاسبة الذات من باب التقويم والتطوير بدلاً من الجلد، فإذا توالت علينا الذكريات يوماً وبدأ شريط الأيام بعرض جميع نجاحاتنا وزلاتنا، لابد أن نستغرق دقائق لمحاسبة أنفسنا مكافئين أو معاتبين، فتعزيز الذات له دور إيجابي للاستمرار في طريق النجاح والمحاسبة إنما هو لإدراك مواضع الضعف والخطأ بغرض التصحيح الذي يساعد على رقي حياة الإنسان وبناء ذات قادرة على العطاء.


علينا أن ندرب أنفسنا على نقد الذات وليس جلدها، فالنقد شعور إيجابي يتيح لنا اكتشاف مواطن الضعف والقوة بموضوعية، التي تساعدنا على رؤية أنفسنا بوضوح فلا نخشى من مواجهة التحديات، نتعلم من أخطائنا ونتمكن من تحقيق أهدافنا من خلال التخطيط الجيد، فالشعور الإيجابي لنقد الذات ينبع من الرغبة الحقيقية في النجاح والثقة بقدرتنا على الوصول لأهدافنا.


من السهل أن يسيطر عليك عالمك وأن تدع الضيق يسيطر عليك، والأصعب أن تلحظ ذلك لأنك غارق حتى أذنيك في عالمك الذي قد يعيقك من الاتصال بالواقع. لا تقلل من قدر مشاعرك أو المشاكل التي تواجهها، ولكن تذكر أن هناك في هذا العالم من هم أسوأ حالاً منا. لذا علينا أن ندرب أنفسنا على نقد الذات بتخطي سواحل العتب واللوم المدمر حتى لا نفقد الشعور بالثقة بالنفس.


كثيرة هي زلاتنا، فنحن أولاً وأخيراً بشر، ولسْنا معصومين من خطأ أو نسيان، لكن من الخطأ أن نتوقف عندها زمناً طويلاً نشعر فيها بالقلق والكآبة أكثر من اللازم، لنُحيي بين ذكرياتها ليالي من البكاء والنُّواح على ماضٍ لن يعود.

Email