وَفِّهِ التبجيلا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقال إن من أسباب نهضة اليابان، أنها منحت المعلم راتب الوزير، واحترام الإمبراطور، ويقال أيضاً، إنه إذا كان المعلم صانع الأجيال، فإن «جودة» المعلم تصبح بالتالي عنصراً أساسياً في «جودة» هذه الأجيال. مناسبة هذا الكلام، أحوال المعلمين والمعلمات في مدارسنا، حكومية وغير حكومية، وضرورة إعادة النظر فيها بشكل شامل ومتكامل، بما يتوافق مع طموحات قيادتنا الرشيدة وأمانينا الوطنية الطموحة.

فالواقع، أن أوضاع المعلمين والمعلمات في مدارسنا، تحتاج إلى مراجعة جادة وشاملة على مختلف المستويات، بدءاً من المرتبات، مروراً بالمؤهلات، وليس انتهاء بالترقيات والحوافز وظروف العمل، فهذه كلها تشكل منظومة متكاملة، لا بد من دراستها بتعمق، ولكن بإيجابية وعملية، لأن إعادة بنائها بشكل منتج، ستعني، وبلا شك، دفعة قوية للأمام لمجمل العملية التعليمية في مختلف المراحل المدرسية في دولتنا الحبيبة. ولنأخذ على سبيل المثال، الرواتب، وهي اليوم تعتبر السبب الرئيس في عدم استمرار المعلمين المواطنين في عملهم، وسعيهم للانتقال إلى مجالات عمل أخرى، بينما يعتبر المعلم، الموظف الحكومي الوحيد الذي تتطلب طبيعة عمله تخصيص جزء غير يسير من وقته الخاص خارج الدوام الرسمي، لمتابعة متطلبات عمله، من تحضير للدروس، وتصحيح للامتحانات، وحضور دورات تدريبية، وغير ذلك.

ويلتقي مع مسألة الرواتب، مسألة التطور الوظيفي، التي تمثل مصدر قلق متراكماً، فقد يكون المسار الوظيفي بالنسبة للمعلم نقطة نهاية، وليس نقطة بداية، كما يفترض، حيث إن الهيكلية التعليمية، تفترض أن المعلم يبقى طيلة عمره معلماً في الميدان، بدون تطور وظيفي، إلا الترفيع في الدرجات، وهذا محبط، خصوصاً إذا أخذنا بالاعتبار فرص التطور الوظيفي لزملائه الذين يجلسون على المكاتب في الوظائف الإدارية لنفس الوزارة. ما الذي يمنع أن يسمح للمعلمين والإداريين حاملي التخصصات المتماثلة، بالتبادل الوظيفي لسنوات، بحيث يكتسب الطرفان خبرات متبادلة، تسهم في إناء عملية صنع القرار المؤسسي في الوزارة، بدلاً من الفجوة الواسعة بين الموظف الإداري والموظف المعلم في مقاربة نفس المواضيع.

وربما يكون مفيداً هنا، تأسيس أكاديمية وطنية للتطوير التربوي، تعنى بتدريب المعلمين، سواء في بداية عملهم أو أثناء مسيرتهم التعليمية، وتسمح لهم بالحصول على شهادة عليا في التربية أو أساليب التدريس أو المناهج، وكل ذلك بهدف رفد القطاع التعليمي بكفاءات متقدمة ومتخصصة، تبني معارفها على خبرتها التعليمية الوطنية. وبالطبع، فإن هذا يتطلب وضع آليات تنفيذية للاستفادة من خبرات المعلمين في الميدان، في وضع المناهج وتطويرها وتوطينها بطريقة أكثر كفاءة وأكثر تلبية للاحتياجات الوطنية المتجددة.

لكن المسؤولية هنا لا تقع فقط على الحكومة، ووزارة التربية والتعليم، فالمعلمون أيضاً عليهم مسؤوليات تطويرية مهمة، ولعل هذا هو السؤال الذي ينبغي أن يوجه لجمعية المعلمين، لعلها تخبرنا، ماذا فعلت في مجال التطوير المهني لصناع الأجيال!

ورحمة الله على من قال: «كاد المعلم أن يكون رسولاً».

Email