عقول تنمو بالتوازن

«جيل الأوامر الصوتية» هو ذلك الجيل الذي نشأ في ظل تطور تقني متسارع، واعتمد على المساعدات الذكية وغيرها من التقنيات الحديثة، التي سهّلت الحصول على المعلومات بمجرد أمر صوتي، دون الحاجة إلى البحث أو التفكير اليدوي؛ ذلك الجهد الذي كان يوماً ما أداة فعّالة لصقل المهارات وتنمية القدرات العقلية. في ظل هذه التقنيات الاستثنائية، يطرح السؤال نفسه:

هل أسهمت هذه الوسائل في إضعاف القدرات العقلية للأطفال، وتقليل دافعهم نحو التحليل والتفكير الإبداعي؟، هل باتت الوسائل التقليدية للبحث والمعرفة مملة وغير مقبولة لدى بعض الأطفال؟

في الماضي، كان الجيل يبذل جهداً كبيراً في سبيل الوصول إلى المعلومة؛ يبحث في الكتب والتقارير والمجلات، ويُجري المقابلات، وربما يسافر للحصول على تفاصيل دقيقة تُثري كتبه وأبحاثه. أما اليوم، فقد اعتاد كثير من الأطفال الحصول على المعلومات بضغطة زر، من دون أي جهد يُذكر.

هذا السلوك بحد ذاته، وإن بدا عملياً، إلا أنه قد يؤدي إلى ضعف في الذاكرة قصيرة وطويلة المدى، وفقدان تدريجي لمهارات التفكير النقدي والتحليل العميق، إضافة إلى تأخر مهارات حل المشكلات؛ لأن التقنية تقدم الجواب الجاهز، وبالتالي تضعف المهارات العقلية والمعرفية.

وتبدأ ملامح التأثير بالظهور في نفسية الطفل وسلوكه؛ إذ يشعر بالملل من الأنشطة العادية غير المرتبطة بالتقنية، ويزداد تعلّقه بالأجهزة بشكل مفرط، إلى حد الشعور بالضيق والانزعاج عند الانفصال عنها.

وهنا يبرز دور الأسرة في التوجيه الإيجابي لاستخدام التقنية، لا في منعها، من خلال تعزيز الحوار العائلي، وتشجيع الأبناء على المشاركة في المراكز التعليمية والأندية التي تصقل مهاراتهم وتنمّي قدراتهم.

أما المدرسة، فيكمن دورها في تحفيز الإبداع لا التلقين، عبر توفير برامج تعليمية محفّزة تدمج بين المعرفة والتطبيق العملي، وتُشعر الطالب بقيمته وقدرته على التميز والعطاء.

وبهذا يتحقق التوازن المنشود في بناء جيل يمتلك أدوات العصر دون أن يفقد قدرته على التفكير والتحليل والإبداع.