بين الأثر والإنجاز

ذات مساء، عاد الأب من حفلة تكريم أقيمت له في مقر عمله، بمناسبة حصوله على درع «أفضل موظف»، لكن هذا الإنجاز الكبير لم يُحرّك في ابنه ذي السنوات العشر شعور الفرح، بسبب غياب الأب الطويل في الفترة الأخيرة لانشغاله في مهمة عمل رسمية.

في ذاك الوقت استقبله طفله بابتسامة باهتة، ثم قال بهدوء: «أبي، مبروك على الجائزة... لكنني افتقدتك كثيراً، متى آخر مرة لعبت معي؟»، تجمّدت الفرحة في ملامح الأب للحظة، وأدرك أن ما يعتبره إنجازاً، لم يكن كافياً لابنه الصغير الذي كان يحتاج تواجده وحضوره العاطفي وتفاعله معه أكثر بكثير من تفوقه وتميزه.

في تلك الليلة، لم يشعر الأب كثيراً أن درعه مصدر سعادة بالنسبة له، بل راح يُفكّر: ما الذي سأتركه لابني حقاً؟ وقتي وحديثي وتواجدي معه؟ أم مجرد إنجازات عابرة قد لا تعني له شيئاً؟

بعض الأسر تسعى لأن يظلّ الأبناء راغبين في بناء علاقة صلبة ووطيدة معهم، لكن هذه الروابط لا تنشأ بمحض الصدفة، ولا من خلال إنجازاتنا، بل تُبنى من أبسط التفاصيل اليومية في التعامل، وتمضية الوقت معهم، ومن شعور الطفل بالحب، والأمان، والاهتمام.

ففي المراحل العمرية المبكرة، يحتاج الأبناء إلى اهتمام الوالدين أكثر من حاجتهم إلى الإشادة بإنجازاتهم الشخصية؛ فهذه الخطوة هي ما تقرّب المسافات، وتغرس البر في نفوسهم.

كما أنها تُرسّخ القيم التي تُسهم في بناء شخصيات متوازنة، وأرواح مسؤولة، قادرة على ترك بصمة لافتة في حياتهم وحياة من حولهم، على المدييْن القريب والبعيد.

ولكي نصنع أثراً حقيقياً، لا بد من تخصيص وقت كافٍ للأبناء، وإظهار الحب والدعم، وتعليمهم بالمواقف لا بالكلمات لنضمن ألّا تتعارض إنجازاتنا المتتالية مع تلبية احتياجاتهم النفسية والمعنوية؛ لأن الأثر الحقيقي هو ما يُحفر في الذاكرة والقلوب.

سؤال للتفكّر: ماذا سيبقى في ذاكرة أبنائنا؟ إنجازاتنا، أم الأثر والقيم التي زرعناها في قلوبهم؟