رهان الشركات «المغلقة»

ت + ت - الحجم الطبيعي

أحدث طرحا «إعمار للتطوير» و«أدنوك للتوزيع» حالة من الإيجابية والتفاؤل كانت أسواق المال تحتاجها بشدة، بعدما فشلت محفزات عدة آخرها النتائج الفصلية الجيدة في إخراج التداولات من الركود وانحسار السيولة المستمر منذ أسابيع.


ويثبت ذلك بما لا يدع مجالاً للشك أن الأسواق لا تفتقر إلى السيولة أو رغبة المستثمرين في المخاطرة، بقدر حاجتها إلى المزيد من الشركات النوعية ذات الأصول الجيدة والقادرة على جذب الأموال الباحثة عن فرص استثمارية، أو على إيقاظ السيولة الخاملة داخل المحافظ المالية التي مل مديروها من رتابة التداولات اليومية في شكلها الراهن.


والسؤال: ما الحوافز التي يمكن أن تقدمها الدولة للشركات المساهمة الخاصة (المغلقة) والعائلية التي تمثل عصب النشاط الاقتصادي في الدولة لتشجيعها على إدراج أسهمها في الأسواق المالية؟


بعض الدول تمنح الشركات المدرجة إعفاء ضريبياً بنسب متفاوتة، كما أن هناك دولاً أخرى تمتنع عن فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية الناتجة عن التعامل في بورصات الأوراق المالية، مهما بلغت قيمتها. وبما أننا في دولة معروفة بأنها «جنة ضريبية»، إذ لا توجد -حتى الآن- ضرائب مباشرة مفروضة على الشركات أو الأرباح، فإن هذا الاقتراح لا مجال لمناقشته أساساً.


ربما يحتاج الأمر إلى تغيير جذري في الثقافة السائدة حول الهدف الأصلي من وجود الأسواق المالية نفسها، إذ يتعامل معها البعض على أنها مكان لتحقيق ثروات طائلة من الهواء، كما أن هناك رؤساء تنفيذيين لشركات مدرجة يتعاملون مع البورصة على أنها مجرد أداة لتعظيم القيمة السوقية لشركاتهم حتى ولو كان عن طريق إمطار وسائل الإعلام بأنباء إيجابية لا تخلو من مبالغة.


الأصل في أسواق المال أنها توفر التمويل الرخيص أو «معدوم التكلفة» للشركات عن طريق السوق الأولى (سوق الإصدارات الأولية والاكتتابات العامة والخاصة)، أما السوق الثانوية أو البورصة فهي مكان يتخارج فيه المساهمون الأصليون الذين أسسوا الشركات أو وفروا لها التمويل الرخيص عن طريق شراء ما تصدره من أسهم أو غيرها من الأوراق المالية، إذاً البورصة هي السوق الثانوية وليست الأولى أو «التقليد وليست الأصل»، ومن المنطقي أن يكون الأصل هو الأولى بالرعاية.


واللافت للنظر أن هناك أصحاب شركات يفضلون طرقاً عالية التكلفة لتمويل توسعات شركاتهم أو حتى لتأسيس شركات جديدة، بدلاً من اللجوء إلى أسواق المال، لأسباب متعددة أكثر ما يثير الدهشة منها أنهم يطبقون نظرية «من حكم في ماله ما ظلم» وأنهم يفضلون ألا يطلع على أسرار شركاتهم أحد، ويعتقدون أن ارتفاع تكلفة التمويل عبر البنوك وغيرها أرحم من الالتزام بمعايير الإفصاح وإرسال التقارير الدورية إلى الجهات الرقابية.


وليس سراً أن بعض الجهات ذات الاختصاص دخلت في مفاوضات طويلة مع عدد من أصحاب الشركات العائلية، بهدف إقناعهم بطرح حصص منها للاكتتاب العام، ولم تؤت هذه المفاوضات ثمارها حتى الآن، ما يجدد الحاجة إلى البحث عن أساليب غير تقليدية لجذب هذه الشركات إلى مكانها الطبيعي على شاشات التداول.
 

Email