هل قتل سقف الحرية كاتب المقال

هل قتل سقف الحرية كاتب المقال؟ تساؤل طُرح في أحد الملتقيات الأدبية، فدار في مخيلتي أكثر من سؤال: هل فعلاً انتهى سقف الحرية أم اختلف المعنى من الأساس وصار الأسلوب غير المباشر هو ما يوصل رسالة كاتب المقال إلى الشخص أو الجهة التي يريد منها مبتغاه؟ لا يُقتل كاتب المقال حين يُمنع من الكتابة، بل حين يأتي من يمسك قلمه وتصبح الكتابة ذات محدودية يتعرف إليها من جديد، فيتعلم كيف يقول نصف الحقيقة أو حتى لا يقولها، أو يختار الصمت المهذب، أو يأتي بالكلمات غير المزعجة وكأنه يستأذن قبل الدخول.

أكاد أجزم بأننا الأفضل في المنطقة، من حيث الاقتصاد المتنامي، والقوة الأمنية، والبنية التحتية، والتطور العلمي التكنولوجي السريع، والقوانين التي تتناسب مع المعطيات، فكل ما تحتاجه يمكن الوصول إليه، لذلك تكونت لدينا كتابة حسية ورقابية قبل وضع الحرف الأول للمقال، يسبقه السؤال: هل ننتقد أم نكتب لكي نرتقي ونصلح ما يحتاج ليكون أفضل؟

يناقش كاتب المقال مفهوم «سقف الحرية» بوصفه عاملاً غير مرئي لا يتجلى في المنع المباشر، بل في حدود غير مكتوبة تُشكّل وعي الكاتب قبل أن يكتب.

وتحت هذا السقف، يتحول الكاتب من صاحب رأي صريح إلى ممارس للرقابة الذاتية، يوازن بين ما يؤمن به وما يتاح له قوله، فتتراجع الجرأة ويغيب السؤال الحقيقي.

ولا يُقتل الكاتب هنا فعلياً، بل تُستنزف روحه الإبداعية، ويتحول المقال من أداة تأثير إلى نص آمن بلا صدى، ليبقى التحدي الحقيقي في قدرة الكاتب على التمسك بصدقه الداخلي والتمييز بين الكتابة من أجل البقاء، والكتابة من أجل المعنى.

كاتب المقال ولو كان منتقداً، يلتزم بالقيم النبيلة والمبادئ السامية، فيجعل من كلمته فعلاً مسؤولاً، ومن مقاله مساحة لخدمة الوطن وتعزيز الوعي العام، لا وسيلة للتكسب أو البحث عن مكاسب عابرة.

فالكاتب المثقف أو الأديب لا يقاس بجرأة الصوت وحدها، بل بصدق الغاية ونزاهة الموقف، إذ يكتب وهو مدرك أن القلم أمانة، وأن الفارق الجوهري بين من يكتب عن قناعة ومن يكتب بدافع المصلحة، هو ما يبقى من أثر بعد أن ينتهي النص ويغيب الضجيج.