هل نحن مستعدون للمستقبل؟

نعيش اليوم في عالم يتغير بوتيرة لم يشهدها التاريخ من قبل، عالم تتسارع فيه الابتكارات والاكتشافات العلمية والتقنية، إلى درجة تجعل ما تحقق خلال القرنين العشرين والواحد والعشرين يفوق، بأضعاف لا تُحصى، ما أنجزته البشرية عبر آلاف السنين من حضارتها.

ولا يقتصر هذا التسارع المذهل على مجال واحد، بل يشمل الطب والاتصال والذكاء الاصطناعي والطاقة وعلوم الفضاء والتنقل، وجميع نواحي الحياة التي باتت تتبدل أمام أعيننا بشكل يومي.

لقد أصبح المستقبل، بكل ما يحمله من فرص وتحديات، أقرب إلينا مما نتصور، فالمعادلة اليوم لم تعد مقتصرة على مواكبة التطور، بل تجاوز ذلك إلى القدرة على التحكم في مساره، وضمان موقع ريادي فيه.

من لا يمتلك هذه القدرة سيجد نفسه خارج المشهد، غارقاً في ذاكرة الماضي، غير قادر على التأثير في عالم يتطلب مرونة عالية، وسرعة في التكيف، واستعداداً دائماً لكل جديد.

وفي وقت تسعى فيه معظم دول العالم جاهدة، للحاق بركب المستقبل، تقدم دولة الإمارات نموذجاً رائداً في هذا المجال، إذ استطاعت خلال فترة زمنية قصيرة، أن تتصدر المشهد الدولي في العديد من القطاعات المرتبطة بالمستقبل

. ولا يقتصر تفوقها على التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي، بل يمتد ليشمل الاستدامة، والطاقة المتجددة، والبحث العلمي، ومواجهة التغير المناخي، وغيرها من المجالات التي تمس حياة الناس بشكل مباشر، وتحدد جودة مستقبلهم.

ففي شوارع مدن الإمارات، يمكن مشاهدة مركبات ذاتية القيادة، تعمل ضمن منظومات نقل ذكية، بينما تستعد الدولة لإطلاق التشغيل التجاري للتكسي الطائر في العام المقبل، في خطوة تعكس رؤية لا تعرف المستحيل، وتؤسس لمرحلة جديدة في وسائل النقل المستقبلية. هذه المبادرات ليست مجرد مظاهر تقنية جذابة، بل هي دليل ملموس على تحول نوعي في بنية النقل والاقتصاد، وإدراك شامل بأن المستقبل يجب أن يُصنع لا أن يُنتظر.

لكن هذا التقدم المتسارع ليس بلا ثمن، فالتغيرات التي يفرضها على أنماط الحياة والعلاقات الاجتماعية تثير تساؤلات عدة، بل ومخاوف أحياناً. إذ يعتقد البعض أن التكنولوجيا قد تدفع المجتمعات نحو الجمود العاطفي، وتحول البشر إلى كائنات شبيهة بالروبوتات، تفتقر إلى الدفء الإنساني والاهتمام المتبادل.

غير أن هذه المخاوف، على مشروعيتها، ليست قدراً محتوماً. فنحن قادرون على مواكبة متطلبات المستقبل، وفي الوقت ذاته الحفاظ على هويتنا الثقافية، وقيمنا الاجتماعية التي تشكل أساس ترابط مجتمعنا وتماسكه.

استعدادنا للمستقبل لا يُقاس بعدد ما نمتلكه من التقنيات والابتكارات، فحسب، بل بمدى قدرتنا على توظيف هذه الأدوات لخدمة الإنسان أولاً، وعلى خلق توازن بين التقدم العلمي والبعد الإنساني. المستقبل ليس قوة خارجة عن إرادتنا، بل هو مسار نصنعه بأيدينا، ورؤية تتشكل من خياراتنا اليومية.

وفي عالم يتغير بهذه السرعة، يبقى السؤال مطروحاً: هل نحن مستعدون للمستقبل؟ الإجابة تكمن في استمرارنا بالسعي، والتعلم، والتطور، وفي قدرتنا على الحفاظ على إنسانيتنا وسط هذا البحر المتلاطم من التكنولوجيا.