شهد المسرح الدولي صراعات على الوجود وسباقات على النفوذ، خلال عامين عاشت المنطقة والإقليم على فوهة بركان كادت تلتهمها ألسنة اللهب، الأمن القومي العربي، بل والعالمي، كاد ينهار على وقع حرب تلو الأخرى، غزة هي نقطة البداية منذ السابع من أكتوبر عام 2023.
الحرب خلفت أكثر من 200 ألف ضحية، ما بين قتيل وجريح، ودمرت 90% من قطاع غزة، لكن الفلسطينيين ظلوا ثابتين متمسكين بأرضهم، ولم يقعوا في فخ التهجير الذي جربوه منذ ما بعد نكبة 1948، وتحول الرأي العام العالمي لصالحهم، اعترف نحو 90% من سكان الكرة الأرضية بفلسطين الدولة، كان التحول دراماتيكياً، تحول من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، شوارع العالم جسدت في لحظة نادرة موقفها الشعبي الرسمي لصالح فلسطين الدولة ذات السيادة، لشعب عانى منذ أكثر من قرن ويلات الحروب والجرائم التي شنتها إسرائيل بمساعدة دولية.
وهذه المرحلة التي وصل إليها قطار الحرب تحتاج إلى رؤية فلسطينية رشيدة، تنطلق من إرادة قوية وعزم لا يلين، وضرورة التمحور حول فكرة الوجود والبقاء وإقامة الدولة، ومن خلال مفهوم جديد وجاد لوحدة فلسطينية واضحة، تريد أن تعلي من شأن الوطن والدولة على مفهوم الفصائلية أو التنظيمات أو الحركات، وتنطلق أيضاً من سياق سياسي وطني، لا يتلون بلون معين، بل ينبع من مفهوم الوطنية الفلسطينية الخالصة.
إن التوقيت فلسطيني بامتياز، إن صحت التقديرات، واستثمرت النخبة الفلسطينية هذا الزخم العالمي، وتحركت خطوات إلى الأمام، متخلية عن إرث قديم ظل حبيس مفهوم الفصائلية والمصالح الضيقة والروابط الخفية خارج مسار القضية، الأمر الذي وضع أمام القضية حواجز عبر مراحل تاريخية عديدة، حالت دون تحقيق التحرير أو الوصول إلى مخرجات جادة، من شأنها حلحلة القضية من مكانها، وهو الأمر الذي استغلته إسرائيل طويلاً، بادعاء أنه لا يوجد شريك فلسطيني للتفاوض، وأن كل القوى منقسمة.
إن الدرس هنا يوجب عدم التكرار، ويفرض الاستفادة من الوضع الراهن القابض على الأرض الفلسطينية، الذي جعل العالم يتعاطف مع الشعب الفلسطيني، مطالباً بدولة مستقلة تحميه.
فإذا كان العالم يقف هذا الموقف، فالأحرى بالفلسطينيين، بمختلف أطيافهم، أن يتحدوا تحت راية فلسطينية خالصة، فعنصر الزمن بات في عهدتهم، والفرصة نادرة، وحلم الدولة على مرمى حجر.