التحريض على الأوطان مشروع خاسر

إن الحفاظ على الأوطان من أعظم الواجبات وأسمى المسؤوليات التي يتشاركها الجميع، قيادة وشعباً، أفراداً ومؤسسات؛ لما تمثله الأوطان من بيت جامع، وهوية راسخة، ومصدر أمن واستقرار وكرامة للإنسان، فحبه مستقر في فِطَر العقلاء، وصونه والحفاظ عليه مترسخ في وجدان الأسوياء، وقد قال الشاعر:

ولي ‌وطن ‌آليت ألا أبيعه

وألا أرى غيري له الدهر مالكا

ومن أشد ما يهدد هذا الكيان المتماسك حملات التحريض التي تستهدف وحدته، وتبث الشكوك في مؤسساته، وتحاول النيل من العلاقة بين أبنائه وقيادته، مستخدمة أدوات متعددة وأساليب متجددة، تتدرج من التلميح إلى التصريح، ومن إثارة العواطف إلى اختلاق الأزمات، ومن الأقلام والأوراق إلى المنصات الرقمية والمواقع الإلكترونية.

إن التحريض على الأوطان داء عضال فتاك، يصيب من يغيب عنهم الوعي ويضعف حسهم الوطني، ومن ينجرون خلف أجندات سلبية، ويغترون بشعارات زائفة، ويستندون إلى رؤى خاطئة في معالجة الواقع والتعامل معه، رؤى تضر ولا تنفع، وتهدم ولا تبني، والعجب أن بعضهم يزعم أن غايته الإصلاح، بينما وسيلته في ذلك الهدم والإفساد، فهل يمكن لمن هو فاقد للشيء أن يعطيه؟!، ويزعم بعضهم أنه يدافع عن الحقوق، فأين حق الوطن؟!، وأين حقوق أبنائه في أن يعيشوا بأمن وسلام واستقرار؟!

لقد أثبت الواقع المعاصر أن التحريض على الأوطان لا يقود إلى إصلاح، وإنما يفتح أبواب الفتن والشرور، فكم من مجتمعات انزلقت في دوامات فوضى بدأت قصتها بخطاب تحريضي يتستر وراء شعارات ومطالبات على حساب ما هو أولى، ثم انتهى بها الحال إلى انقسامات داخلية وصراعات أهلية وضياع للمكتسبات، وكم من أرواح أزهقت وملايين شردت وبيوت هدمت على رؤوس من فيها بسبب هذا الداء الخطير.

ليكون ذلك خير برهان لكل أحد على أن استقرار الأوطان نعمة لا تقدر بثمن، وأن الأوطان تبنى بالتكاتف وتغليب المصالح العليا، وتسقط في دوامات الفتن حين يستباح أمنها بالكلمات العابثة والخطابات المحرضة.

وللتحريض على الأوطان صور متعددة، فهناك من يمارس التحريض عبر الخطاب المباشر الذي يهاجم الثوابت الوطنية، ويعتدي على المؤسسات والرموز، ويزرع العداء في النفوس، وهناك من يتخفى خلف أقنعة نقد زائفة ليبث من خلالها رسائل الإحباط والتشكيك، فيشكك في كل إنجاز.

ويصور كل نجاح على أنه فشل، حتى تتزعزع ثقة الناس بأنفسهم وبمؤسساتهم، ومن ذلك الحملات التحريضية عبر المنصات الرقمية، التي تنطلق بين الفينة والأخرى في ذاك المجتمع أو غيره، وتحاول أن تدفع الرأي العام نحو أتون التحريض والفوضى.

ومع تنوع هذه الأساليب والأدوات التي يستخدمها المحرضون على الأوطان تتضاعف أهمية الوعي المجتمعي، فإن المواطن الواعي هو خط الدفاع الأول في مواجهة حملات التحريض، فيقف صفاً واحداً مع قيادته وأبناء مجتمعه للحفاظ على اللحمة الوطنية ومكتسبات الوطن ومقدراته، ويعلم أن للكلمات أثراً مباشراً في أمن المجتمع واستقراره، وخاصة في زمن الفضاء الإلكتروني المفتوح.

فيحرص على ألا ينساق وراء أي خطاب تحريضي، بل يتصدى لذلك كله بالخطاب الوطني الإيجابي، معززاً قيم الانتماء والولاء والمواطنة الصالحة، مدركاً أن الحفاظ على الوطن مسؤولية كل فرد يعيش على ترابه ويستنشق هواءه العليل.

كما يأتي دور المؤسسات المتنوعة في ترسيخ منظومة الأمن والاستقرار الوطني، وترسيخ مفاهيم المواطنة الصالحة، والعمل على تعزيز الوعي الوطني والقيمي، وبناء جسور الثقة بينها وبين المجتمع، لقطع الطريق أمام كل من يحاول الاصطياد في الماء العكر.

والتصدي للمحرضين على الأوطان بفاعلية ضمن اختصاصاتها، وتنسيق الجهود فيما بينها لتحقيق التكامل الأمثل في هذا المجال، فتنكسر بذلك أمواج المحرضين على صخور الوعي المجتمعي ويقظة المؤسسات وفاعليتها.

إن المنطق والواقع يؤكدان للعقلاء أن التحريض على الأوطان مشروع خاسر بامتياز، وأن من ينساق وراء ذلك سيدفع ثمناً باهظاً، وسيجني على نفسه وعلى غيره، وعلى الشباب خاصة، وهم زهور أوطانهم وعماده، أن يتحلوا باليقظة والوعي، ويضعوا أمن وطنهم فوق كل اعتبار، لتتحول حملات التحريض تلك إلى فقاعات يائسة، سرعان ما تتبدد أمام تماسك المجتمع ووحدته، وأمام وعي أبنائه المخلصين.