وقد عُقد اللقاء بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب في قصر الوطن، في مشهد يعكس عمق العلاقات الدبلوماسية والسياسية والتعاون الاستراتيجي بين الدولتين. وقد جاءت هذه الشراكة في خطوة تعزز من حضور دولة الإمارات العربية المتحدة في خريطة الابتكار العالمية.
ومروراً بالاستقرار السياسي والموقع الجيوستراتيجي المتميز، وانتهاءً بالبيئة التشريعية والتنظيمية المواتية ببناء قواعد راسخة تتيح نمو وازدهار اقتصاد المستقبل القائم على المعرفة والابتكار والذكاء الاصطناعي.
علاوة على ذلك فإن الإمارات تعد من الدول الرائدة في مجالات استخدام عناصر القوة الناعمة وسيلة لتحقيق المصالح الوطنية في إطار تعاوني سلمي.
وهذه العوامل تعززت بمقومات أخرى، أبرزها البنية التحتية الرقمية المتطورة، وسياسات الابتكار، والاستثمار في رأس المال البشري، وهي ما جعلت من الإمارات بيئة مثالية لتوطين الشراكات التكنولوجية المعقدة.
كما وضعت القيادة الإماراتية الحكيمة ضمن أولوياتها تأسيس دولة تستند إلى المعرفة والتقدم التكنولوجي، وهو ما تجسّد في الاستراتيجية الوطنية للابتكار التي تهدف إلى جعل الإمارات من بين أكثر الدول ابتكاراً على مستوى العالم.
كما يعمل مكتب الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد على أجندة تحقيق أهداف استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي والاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الرقمي والمبادرات والخطط الهادفة إلى ترسيخ مكانة دولة الإمارات لتكون الوجهة الأولى.
والمركز الأساسي للابتكار في مجالات الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتقنيات البلوك تشين، وغيرها من التقنيات المستقبلية، بالإضافة إلى استراتيجية الثورة الصناعية الرابعة التي تهدف إلى جعل الإمارات مركزاً عالمياً للاقتصاد الرقمي.
وشركة الذكاء الاصطناعي الجديدة «AI71»، التي تُبنى على نماذج «فالكون» المطورة محلياً، وتهدف لتقديم حلول غير مسبوقة للشركات في مجال التحكم في البيانات عبر الذكاء الاصطناعي، ما يعزز الخصوصية ويخدم البيئة الرقمية.
وتوسعت هذه الرؤية لتشمل دعم المدن الذكية عبر مشاريع مثل «مدينة مصدر» و«دبي الذكية» وواحة دبي للسيليكون، ومناطق حرة متخصصة بالتقنية، مثل مدينة دبي للإنترنت، ومدينة الشارقة للبحوث والتكنولوجيا.
وجامعة ستانفورد، ما أسهم في بناء قاعدة معرفية وطنية قادرة على مواكبة التحولات العالمية، وكذلك جامعة خليفة وجامعة حمدان بن محمد الذكية، إلى جانب كليات التقنية العليا ومعاهد متخصصة في التقنيات الحديثة.
وأطلقت وزارة التربية والتعليم منهجاً خاصاً لتدريب طلبة المدارس على الذكاء الاصطناعي. ومن ناحية أخرى، تم إطلاق مبادرات وطنية كبرى مثل «مليون مبرمج عربي».
إضافة إلى جلسات «متحف المستقبل» التي يشارك فيها كبار الخبراء العالميين، ما عزز من مكانة الإمارات مركزاً عالمياً للتكنولوجيا، إذ أثبتت الإمارات، من خلال هذه المشاريع والشراكات، قدرتها على صياغة نموذج اقتصادي مرن يقوم على الابتكار والتكامل، مدعوم ببنية تحتية رقمية متطورة وتشريعات مرنة، وبرز هذا النموذج في بناء المدن الذكية، وتطوير شبكات الاتصالات، وإنشاء مراكز بيانات ضخمة، وتقديم حلول رقمية شاملة.
ومن هنا، أتى إطلاق المجمع الإماراتي - الأمريكي ليكون امتداداً طبيعياً لهذا المسار التنموي، ومن المتوقع أن يتمتع المجمع بقدرات تشغيلية عالية تصل إلى خمسة جيجاواط، وهذا دلالة على الكم الكبير والضخم من المعالجات الرسومية فائقة التطور القادرة على التغطية الهائلة من الطاقة التشغيلية التي تكفي لسرعة إنتاج البيانات وتوليدها.
والطاقة العالية المستخدمة في تبريدها، معتمداً على مزيج من مصادر الطاقة المتجددة، مثل الشمسية والنووية، إضافة إلى الغاز الطبيعي، وقد تقدر مساحة المجمع بـ10 أميال مربعة، ما يعكس توجهاً استراتيجياً نحو تحقيق الاستدامة البيئية جنباً إلى جنب مع التقدم التكنولوجي.
ومن المتوقع أن يسهم هذا المشروع في استقطاب شركات أمريكية واستثمارات أجنبية كبرى قادرة على الاستفادة من الإمكانات لتوفير خدمات الحوسبة الإقليمية مع إمكانية تقديم خدمات عالية التقنية والجودة لنحو نصف سكان العالم ضمن نطاق 3200 كيلومتر، وخلق وظائف متخصصة في تحليل البيانات، وتطوير البرمجيات، والهندسة التقنية، إضافة إلى دعم الصادرات الوطنية في مجال الخدمات الرقمية.
ومن مميزات المشروع الإماراتي في هذا السياق أنه جاء منسجماً مع السياسات العامة للدولة، ومتكاملاً مع استراتيجياتها الوطنية الكبرى، ليشكل الذكاء الاصطناعي محوراً أساسياً في مسيرة التنمية البشرية والاقتصاد الرقمي.
كما أن هذا التوجه ينسجم مع المبادئ العشرة للخمسين عاماً المقبلة، التي أطلقتها القيادة الإماراتية لتكون خريطة طريق للمستقبل، ويرسّخ شراكة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، تشمل التقنية، والاقتصاد، والتعليم، والأمن.
ورغم هذا التقدم، لم تغفل الإمارات التحديات المصاحبة، وعلى رأسها الأمن السيبراني والحاجة إلى الكفاءات الوطنية المؤهلة، فوضعت خطة معرفية شاملة تشمل الشراكات الأكاديمية، والتعليم التقني، والتدريب المهني المستمر. وفي هذا السياق، أُطلقت الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني في 2019 لتعزيز بيئة رقمية آمنة ومرنة.