عكست زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للإمارات وجولته الخليجية التي استمرت أربعة أيام إدراكاً أمريكياً لثقل منطقة الخليج اقتصادياً وسياسياً، ودورها الدولي المتعاظم في ظل سياسات كسبت الثقة الدولية، واستثمارات ضخمة عبر العالم، واحتياطات نقدية وصناديق سيادية تساعدها على أداء دور مؤثر في الاقتصاد الأمريكي، والعالمي عموماً، وبالتالي التأثير إيجاباً في القضايا والتحديات العالمية.
ففي ظل المشهد العالمي المتأزم بالحروب وعدم اليقين الاقتصادي العالمي وتغير التحالفات، تظهر الإمارات وبقية دول الخليج العربية وجهة مهمة لترامب، ليس بسبب قوتها الاقتصادية والسياسية فقط، بل كونها قوة وشريكاً موثوقاً به، وأثبتت قدرة استثنائية على التأثير الإيجابي في معالجة الكثير من الأزمات السياسية أو الاقتصادية أو التحديات العالمية، مثل الجوع والأمراض والمناخ والأزمات الإنسانية عبر العالم، وهي سياسة إماراتية خبرتها واشنطن في أوكرانيا وفلسطين والسودان، وفي الأزمة الأخيرة بين باكستان والهند، وفي مؤتمرات المناخ والطاقة، وفي مواجهة التطرف، وفي دعم كل جهد نحو التعاون الدولي متعدد الأطراف لمواجهة التحديات العالمية.
هذه الصورة للإمارات، سواء في الإقليم أو العالم، دفعت واشنطن لتعميق العلاقات معها، كونها شريكاً فعالاً، سواء في مواجهة الأزمات أو في استدامة الازدهار، وفي التوجهات العالمية نحو الاستثمار في التقنيات الفائقة، مثل الذكاء الاصطناعي وعلوم الفضاء، خاصة أن البلدين يجمعهما تاريخ مثالي من العلاقات المستقرة والتحالفات المفيدة، حيث لم تتعرض هذه العلاقات منذ تأسيس الاتحاد وإقامة علاقات دبلوماسية لأي توتر، بل كانت مثالاً لعلاقات الدول، ونموذجاً في التعاون الذي تتجاوز فوائده البلدين إلى محيطهما أيضاً، وأبعد من ذلك.
العلاقة الإماراتية - الأمريكية نمت وازدهرت حتى وصلت إلى علاقة تبادلية تشاركية، خاصة في الاستثمار بالتجارة والطاقة والدفاع والذكاء الاصطناعي والفضاء والعلوم المتقدمة وغيرها، حيث تجمع البلدين شراكة استراتيجية يتبادل فيها الطرفان الاستثمار، الذي انتقل مع زيارة ترامب إلى مستويات جديدة من حيث الحجم، والذي تجلى بالإعلان عن استثمارات تريليونية متبادلة، خاصة في التقنيات المتقدمة.
وهذا الانفتاح الجديد على الاستثمار المتبادل يستند إلى تجارب ناجحة سابقة، وثقة تأصلت مع الوجود المبكر لعمالقة شركات التكنولوجيا الأمريكية للاستثمار في الفرص التي تتيحها الإمارات، التي تشكل أهم سوق إقليمي لكل القطاعات، بالمقابل تستثمر الشركات الإماراتية التكنولوجية أيضاً في الفرص التي يتيحها السوق الأمريكي الأكبر بالعالم.
وتأسيساً على ما سبق، أظهرت زيارة ترامب للإمارات وجولته الخليجية، التي وصفها بالتاريخية، مدى حاجة الولايات المتحدة إلى العمل بشكل وثيق مع حلفاء موثوقين؛ لإدراك الجانبين أن تعميق التعاون الثنائي في المجالات كافة كفيل بتقديم نموذج استثنائي للازدهار والتنمية، والقدرة على تفكيك الأزمات من خلال توفير البيئة الملائمة للسلام؛ لذلك هي لحظة فارقة لبداية جديدة في المناخ السياسي للمنطقة وترسيخ وتعميق الإدراك والرغبة الأمريكية في زيادة الاستثمارات المتبادلة والتشاركية، والاستفادة من ذلك لتغيير اتجاه التفكير السياسي لواشنطن نحو مصالحها مع الدول العربية الأهم والأكبر والأكثر أثراً من أي مصلحة أخرى، وأن عليها لحماية مصالحها وتنميتها وقف التهور الذي تقوده بعض دول المنطقة، ووقف دوامة العنف، والضغط باتجاه صياغة الحلول العادلة لأزمات المنطقة حتى يعم السلام والازدهار.