سؤال أمام التاريخ

شيء قاسٍ أن تستمر آلة الحرب نحو عامين مهمتها قصف أرواح البشر.. وشيء مؤلم أن حكومة بنيامين نتنياهو تقرر تمديد إقامتها في أجواء الإبادة.

المخططات تتفوق على الخيال، ما كان مجرد تحليل أو توقع بات حقيقة علنية، نتنياهو وتيار الصهيونية السياسية يصل إلى ذروة التدمير، ويعلن عن تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، في نكبة أخرى لا تقل فداحة عن النكبة الأولى عام 1948.

المأساة هذه المرة أن الولايات المتحدة الأمريكية، الممثلة في رئيسها السابع والأربعين، دونالد ترامب، هو من يفكر بصوت عال لتحويل غزة إلى منطقة أمريكية، ويكاتف اليمين الإسرائيلي في كل مخططاته، لا تعنيه جريمة الإبادة الجماعية، ولا يخشى خطراً من الملاحقة الدولية، خصوصاً أنه عاقب 4 من قضاة المحكمة الجنائية الدولية، الذين تجرأوا في رأيه ولاحقوا بنيامين نتنياهو، بالقانون الدولي.

صحيح أن ترامب يتراوح بين تأييد الحرب على غزة، وبين الغضب من نتنياهو لاستمرار الحرب، لكن المؤكد أن هناك مشروعاً يمضي بأخطاره الكبرى التي قد تمزق الخرائط، وربما تشطب خرائط أخرى، وقد ترتبك معها الدول والمجتمعات، وتصبح عرضة لفوضى خلاقة حقيقية.

ولهذا يجب أن يستبق العرب، أصحاب الشأن والمسألة، هذا المخطط الذي يتبناه نتنياهو وشريكه ترامب، الخطر يفرض الاستباق بوجود خطة مناهضة تنطلق وفق تصورات متماسكة وجماعية، وتتسق مع القانون الدولي والشرعية الدولية، والحفاظ على الهوية العربية مهما تكن الضغوط، والالتفاف على ما استقرت عليه المفاوضات بين العرب وإسرائيل، وما تأكد في اتفاقيات سلام شاركت فيها أمريكا بوصفها طرفاً وراعية لهذه الاتفاقيات، وأي اختلال من جانب أي طرف يصبح خروجاً على الشرعية، وتفتقد معه مثل هذه الاتفاقيات قانونيتها وشرعيتها.

نتنياهو يريد حرباً وراء أخرى في المنطقة، وليس من المعقول أن يظل موقف العالم سلبياً، يشاهد فقط تهديدات الحكومة الإسرائيلية للمنطقة الحيوية دون أن يتحرك أو يرفض، أو يقدم أصحاب التهديدات إلى العدالة الدولية.

الحقيقة أنني لا أفهم إلى أين يتجه نتنياهو بالمنطقة، بل أين يذهب بالعالم؟، ولا أفهم أيضاً الموقف الأمريكي من هذا الصراع، ولماذا ينحاز إلى إسرائيل بحجمها الجغرافي الصغير ضد العرب، الذين لديهم علاقات استراتيجية، ومصالح كبرى مع أمريكا، فما الذي تملكه إسرائيل ضد أمريكا؟، وما الذي يفتقده العرب؟، ولماذا لا تخشى إسرائيل رد الفعل الشعبي في المستقبل؟ وقد صدق ترامب حين قال إن إسرائيل فقدت كل داعميها في الكونغرس بسبب الحرب على غزة، مؤكداً أنها تنتصر في الميدان وتفقد صورتها العامة في العالم، إنهم يعرفون الحقيقة ومع ذلك ينساقون وراء أوهام إسرائيل الكبرى، وهذا لن يحدث مهما تكن الضغوط على العرب.

لدي تصور فيما سيجري أن إسرائيل مصممة على تنفيذ مخطط التهجير، وأن أمريكا ستساعدها، برغم الأصوات الأوروبية الداعمة لوجود دولة فلسطين، مثل فرنسا وإسبانيا وغيرهما، لكن الحسابات الاستراتيجية بعيدة المدى تظهر خللاً مثل هذا المخطط الرهيب، وأدرك أنهم لم يفهموا بعد عواقبه، فهؤلاء يتصورون أن الفرصة سانحة لتنفيذ هذا المخطط، وأنه لا توجد قوة تواجه وتعرقل مساعيهم في تمزيق الخرائط، لكن حساباتهم خاطئة، فالفلسطينيون لن يغادروا أراضيهم تحت أي ظرف، بل سيتمسكون بقضيتهم، وصولاً إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967.. ودون ذلك لن يستقر الإقليم والعالم، وإنني ألمح من خلال كل هذه الأحداث أن شيئاً ما سيتغير، وتفهم إسرائيل وحلفاؤها أن المنطقة ليست لقمة سائغة.

إن هذه الحرب ستنتهي حتماً، لكن سيبقى السؤال الضاغط: ماذا تقول ضمائر العالم أمام التاريخ عن حجم الإبادة غير المسبوقة بحق الشعب الفلسطيني الذي ينزف دماً منذ قرابة 80 عاماً من دون الوصول إلى حقه في تقرير مصيره؟، ولماذا الصمت على غياب العدالة واغتصاب القوانين الدولية والإنسانية؟