حبل الكذب قصير

لطالما أكدت دولة الإمارات أنها ليست طرفاً في النزاع السوداني، وأنها لا تقدم أي دعم عسكري لأي طرف، بل غاية مناها، أن تنتهي هذه الحرب عاجلاً غير آجل، ليعود السلام والاستقرار إلى السودان، ورغم أن موقفها واضح كوضوح الشمس في كبد السماء.

فقد اشتطت بعض قيادات الجيش السوداني والمتأثرين بهم، فسلكوا مسلك التشويه والتأليب، محاولين الزج بدولة الإمارات، كجزء من هذا الصراع المرير، الذي اشتعل في السودان منذ أكثر من سنتين، واكتوى بنيرانه الشعب السوداني الشقيق، ولم يخرج من أتونه إلى اليوم بعد.

ووصل هذا التأليب والتشويه إلى منتهاه، بتقديم هذه الأطراف دعوى ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، ليأتي الرد مفحماً داحضاً لمزاعم هؤلاء، إذْ قامت محكمة العدل الدولية برفض هذه الدعوى الباطلة، وشطب القضية من أساسها، لينقلب السحر على الساحر، وليصدق على هؤلاء المثل القائل: حبل الكذب قصير!

من المؤسف حقّاً أن يلجأ هؤلاء إلى تعليق شماعة فشلهم على الآخرين، ظانين أنهم بذلك يبررون لأنفسهم وغيرهم خيبتهم، وما جروا إليه بلادهم من التدمير، وإعراضهم المستمر عن الأصوات المطالبة لهم بإيقاف هذه الحرب، التي أنهكت السودان وشعبها.

فقد بُحّت أصوات العقلاء، وهم يدعون أطراف النزاع لإيجاد حل سلمي لهذه الأزمة، ومنها دولة الإمارات، التي أكدت في كل محفل، على ضرورة حل هذه الأزمة سلمياً، وإيقاف عجلة الحرب، ولكن لا حياة لمن تنادي، وكأنه ليس لهؤلاء آذان يسمعون بها.

فاستمروا في إدارة رحى الحرب، لتطحن الأبرياء دون رحمة، ولم يكتفوا بذلك، حتى وجهوا سهامهم الحاقدة ضد تلك الأصوات العاقلة التي تطالبهم بإنهاء الحرب، موجهين إليها تهماً، هم المتلبسون بها، وإلا فإن كل عاقل يتساءل: من الذي يدير هذه الحرب سواهم؟! ومن الذي يرفض الجلوس إلى طاولة الحوار إلا هم؟!

ومن الذي يصم آذانه عن كل مبادرة تسعى لإيقاف نزيف الدم السوداني؟! إن الواقع بكل معطياته، تنزع القناع عن هؤلاء، وتعريهم، وتكشف أنهم المتاجرون بدماء الشعب السوداني لمصالحهم ومآربهم.

لقد بدا واضحاً حجم الغل والحقد الذي يُكنه هؤلاء لدولة الإمارات، من خلال افتراءاتهم المتواصلة، واتهاماتهم المستمرة، التي أصبحوا يسوقون لها كالمجانين، وكأنه لا هم لهم سوى إثبات هذه الأكذوبة، لتبييض صفحاتهم السوداء، وتبرير إخفاقاتهم الداخلية.

وإذْ هم في سكرة أكاذيبهم، تأتيهم الصفعة القانونية القاضية من محكمة العدل الدولية، لتفضح أكاذيبهم واختلاقاتهم، لعلهم يفيقون، فيرجعون إلى صوابهم ورشدهم، إن كانت بهم بقية عقل وضمير.

ومن العجب العجاب، أن يتهم هؤلاء دولة الإمارات، التي كانت ولا تزال حضناً دافئاً لأشقائها، ومعيناً وسنداً لهم، عبر مساعداتها وجهودها الإنسانية التي لا تتوقف، وخاصة الأشقاء في السودان.

فقد قدمت أطناناً من المساعدات الطبية العاجلة، وملايين الدولارات، لدعم المبادرات الصحية في السودان، بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة، وافتتحت مستشفيات ميدانية، لتوفير الخدمات الطبية للاجئين السودانيين في دول الجوار.

وكل همها تخفيف المعاناة عن الشعب السوداني الشقيق، فهذه هي الإمارات، واحة إنسانية لأشقائها، فماذا قدم هؤلاء لشعوبهم، سوى الرصاص والقنابل وإشعال الصراعات المريرة؟!! فأين الثرى من الثريا؟!! وأين من يداوي الجروح ممن يهلك الحرث والنسل؟!!

ولم تتوقف جهود دولة الإمارات عند حدود إرسال المساعدات والتعاون مع المنظمات الدولية لتخفيف المعاناة عن الشعب السوداني الشقيق، بل شملت نداءاتها المتكررة للحوار والسلام، وإيقاف الاقتتال، كان آخرها، ما جاء في مؤتمر لندن حول السودان.

حيث كررت الإمارات دعوتها لإيقاف الحرب، وسلطت الضوء على انعكاساتها المؤلمة على الشعب السوداني، والانتهاكات الخطيرة بحق المدنيين، وتنديدها بأطراف الصراع الذي أنهك السودان وشعبها، ودعوتها للانتقال إلى عملية سياسية تحمي الآمنين، وتعيد للسودان استقرارها المفقود.

إن كل ذلك يؤكد أن دولة الإمارات لم تكن منحازة يوماً إلى هذا الطرف أو ذاك، بل وقفت موقفاً واضحاً حاسماً تجاه هذه الحرب، منذ يومها الأول، ودعت كافة الأطراف، دون استثناء، من منطلق مبادئها الثابتة إلى إحلال السلام وإيقاف أتون الحرب.

فكيف بعد هذا يظن هؤلاء المتورطون في دماء الشعب السوداني، أنهم بإمكانهم خداع العالم بتصوير الإمارات كجزء من الصراع؟! وهم بذلك في الحقيقة يضرون أنفسهم، قبل أن يسيئوا للإمارات، وقد كشفت محكمة العدل الدولية كذبهم المفضوح.

ألا فليعلم هؤلاء أن حبل الكذب قصير، وقد فضح الواقع اليوم أكاذيبهم عالمياً، وسيسطر التاريخ جناياتهم في صفحات سوداء مظلمة، وأما الإمارات، فستبقى منارة للسلام والمواقف النبيلة، وسيبقى سجل مبادراتها الإنسانية مشرقاً في أنصع صفحات التاريخ.