الطريق إلى قمة بغداد

سألني محدثي: ماذا تتوقع لقمة بغداد المقرر انعقادها في السابع من مايو المقبل؟ قلت له: السؤال مهم في توقيت أكثر أهمية، فنحن أمام إقليم يمر بمنعطفات لم يعتدها بمثل هذه الخطورة من قبل؛ صراع نفوذ، وسباق مصالح، وحدود ملتهبة، ولحظة عنوانها «غياب الحلول السياسية، وحضور الحروب الاقتصادية».

العرب يدركون ذلك جيداً، ويحرصون على صياغة موقف موحد وقوي، يستعيدون به استقرار الإقليم، ويحافظون من خلاله على الثوابت العربية الوطنية ويصونون به الأمن القومي العربي.

بغداد في انتظار أشقائها العرب، حيث انعقاد القمة العربية التي يترأسها العراق، هذه القمة تأتي وسط أجواء ضبابية، وظروف شديدة التعقيد، تتمحور حول عدد من القضايا الضاغطة والعالقة التي يجب أن يكون لها حل.

في مقدمة هذه القضايا، القضية الفلسطينية، والأوضاع اللبنانية، والسورية، واليمنية، والليبية والسودانية، وقضايا الأمن القومي العربي، البحري والمائي، وعلاقات المنطقة العربية بالقوى العالمية، وصراعاتها الضاغطة على النظام الدولي.

لا شك أن انعقاد هذه القمة في العراق، له رمزية خاصة، فالعراق بعد سنوات طويلة من الحروب والإرهاب، يؤكد إصراره على العودة إلى الدولة، وليس الساحة، فهو يستضيف كل قادة العرب على أرضه لمناقشة كل القضايا الساخنة.

ويؤكد أنه يمكن أن يعود جسراً عربياً وازناً، ولا سيما أن الاتصالات السياسية بين القادة العرب، عملت على تصفية الأجواء، وتمهيد الطريق قبل انعقاد قمة بغداد، وخصوصاً بعد الأحداث والمتغيرات التي جرت في سوريا الشقيقة، وبعد الحوار الذي يدور بين إيران جارة العراق والولايات المتحدة الأمريكية.

إن العراق الذي هو عضو مؤسس في جامعة الدول العربية، ويستضيف القمة، تعلق عليه الآمال الكبيرة أن تخرج القمة بمقررات عربية خالصة، تستطيع أن تستعيد أولاً الدور للدولة الوطنية.

وثانياً التعاون الاقتصادي والسياسي بين الدول العربية، وصياغة رؤية عربية قابلة للتنفيذ، تحترم خصوصية كل قطر عربي، وتعمل على تأكيد الأمن الجماعي العربي، وفي الوقت ذاته تمنع الاستقطابات الحادة، سواء لقوى إقليمية مجاورة، أو قوة عالمية تحاول التغيير الجيوسياسي في العالم.

لكن التغيير المنشود والأهم هو الاتفاق على استراتيجية حل القضية الفلسطينية، من وجهة نظر عربية، وحماية وصياغة قضية الشعب الفلسطيني، على أن يكون صوت العرب واحداً في المحافل الإقليمية والدولية.

وقد نجحوا في قمة القاهرة التي عقدت في الرابع من مارس الماضي، في أن يتبنوا الخطة المصرية لإعمار غزة، والحفاظ على قضية فلسطين، وتوسيع الاعتراف الدولي بفلسطين كدولة.

كان من نتائج التحرك الدبلوماسي المصري والعربي، أن أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أنه سيعترف في يونيو المقبل بدولة فلسطينية كاملة، ولا شك في أنه سيشجع بقية الدول الغربية.

إن العرب في هذا التوقيت، وفي هذه القمة عليهم أن يتمسكوا بالخيط الفرنسي لحياكة النمط السياسي الجديد الذي يناسب اللحظة الراهنة، والقضية المزمنة.

نتصور أنه بعد ستة عقود من ضياع الضفة وغزة، نواة الدولة الفلسطينية، آن الأوان لكتابة وثيقة العرب التاريخية، التي لا تقبل القسمة على وجهات النظر، ولا محاور الشقاق والاختلاف، بل إنها لا بد أن تكتب بحبر الوحدة والتماسك وتطابق الرؤى، وخصوصاً أن الخرائط الآن تتعرض لتمزقات هائلة، ومطامع عميقة، لا تستثني أي مساحة في خريطة الوطن العربي، ومن ثم، فإنه في هذه الحالة لن ينجو أي أحد منفرداً.

بالتالي علينا نحن العرب أن نستثمر كل الفرص بما فيها قمة بغداد، للعبور إلى زمن آخر، نتخلص فيه من الحروب المزمنة والحروب المنسية، والانهيارات الأهلية، وحالة السيولة التي قامت في الإقليم، واستغلتها قوى إقليمية وأجنبية.

الشاهد، أن قمة بغداد في هذا التوقيت، أمامها فرصة لتشكيل منعطف هائل لسياسة عربية مختلفة تقوم على التعاون الاقتصادي الجامع، والدخول في عصر الرقمنة، والذكاء الاصطناعي، وفتح الشرايين بين المدن العربية، والتبادل التجاري، واستغلال الممرات البحرية والبرية في شبكات طرق تفيد الشعب العربي، من المحيط إلى الخليج.

وأعتقد بأننا قادرون على صياغة مشروع عربي قوي، وسط عالم يشهد حروباً تجارية، واقتصادية تتصادم فيها القوى الكبرى الموجودة على مسرح اليوم، ولا شك في أن العرب يتأثرون بهذه الحروب كونهم واسطة العقد بين قوى العالم.

إن الطريق إلى قمة بغداد، يمثل فرصة كبيرة أمام العرب للوصول إلى محطة الوحدة والتوافق وتطابق الرؤى حول القضايا الضاغطة على المنطقة.