مريم المعمري
قصة الأوطان لا تُختصر في جناح، ولا تُروى في معرض، بل تنبض في أحلام أبنائها، وتتحقق بخطواتهم التي تحول الرؤى إلى واقع، والطموح إلى أثر.
وفي جناح دولة الإمارات في «إكسبو 2025 أوساكا – كانساي»، لا نعرض منجزات بقدر ما نقدم ملامح وطن لا يزال يصوغ مستقبله، من خلال أشخاص آمنوا بأن الطموح لا تحده حدود، فحولوا الأحلام إلى إنجازات، والفرص إلى أثر ملموس.
«من الأرض إلى الأثير» هو أكثر من شعار، إنه مرآة لهويتنا الوطنية، إذ يعكس هذا المفهوم روحاً تعانق الماضي وتستشرف المستقبل، ويمثل دعوة عالمية للتعاون والتقدم الجماعي.
فبين مستكشفي الفضاء، ورواد الرعاية الصحية، وأمناء الاستدامة، نسلط الضوء على «الحالمين المنجزين»، أفراداً ومؤسسات؛ إذ يقودون مسيرة التقدم الإماراتي بحماس ومسؤولية، ويجسدون التزامنا الراسخ بتمكين الحياة في كل أشكالها.
إنجازات الإمارات في الفضاء ليست مجرد أرقام أو سباقات علمية، بل حكايات لأشخاص آمنوا بأن الحلم لا سقف له. نورا المطروشي، أول رائدة فضاء إماراتية، تمثل نموذجاً ملهماً للمرأة العربية الطموحة، ولجيل يرى في الفضاء ساحة للتقدم لا حلماً بعيد المنال. وفي جامعة هارفارد، تخوض موزة المعلا رحلة علمية لاكتشاف بدايات الكون عبر علم الكونيات الحاسوبي، مؤكدة أن المعرفة إرث يبنى ويتوارث، ويصل بين الماضي والمستقبل.
أما محسن العوضي، فيقود من موقعه في وكالة الإمارات للفضاء أهم المهام الوطنية من «مسبار الأمل» إلى استكشاف حزام الكويكبات، معززاً موقع الإمارات في ريادة الدبلوماسية العلمية.
ومعالي الدكتور سلطان النيادي، وزير دولة لشؤون الشباب، الذي أمضى 6 أشهر في محطة الفضاء الدولية، نفذ خلالها تجارب علمية بالغة الأهمية. لم تكن عودته إلى الأرض نهاية لمهمة فضائية، بل بداية لمرحلة جديدة، تلهم شباب الوطن وتربطهم بمستقبل واعد يكونون فيه صناعاً للتقدم لا متلقين له.
مبتكرون في خدمة الحياة
تجربة الإمارات في تطوير منظومة الرعاية الصحية تنبع من إيمان عميق بأن الكرامة ركيزة لكل حياة؛ فالدكتورة فاطمة الكعبي، المديرة التنفيذية لبرنامج زراعة نخاع العظم، تقود جهوداً نوعية في علاج الخلايا الجذعية، فاتحة آفاقاً جديدة في الطب الشخصي، في حين توظف الدكتورة فرح شموط، من جامعة نيويورك أبوظبي، الذكاء الاصطناعي للكشف المبكر عن الأمراض، موحدة بين التقنية والتعاطف الإنساني.
ويطور الدكتور كين إيتشيرو كامي، من الجامعة ذاتها، تقنية «الجسم على رقاقة»، البديل الأخلاقي والدقيق لاختبار الأدوية، في مساهمة واعدة نحو مستقبل طبي أكثر مسؤولية.
وأما علي اللوغاني، الشاب الإماراتي، فابتكاره «الروبوت الطبيب» لمتابعة الحالة الصحية يجسد كيف يُسخر الابتكار لتحسين جودة الحياة، ولا سيما لكبار السن وأصحاب الهمم.
وفي جامعة خليفة، تقود الدكتورة حبيبة الصفار أبحاثاً متقدمة في علم الجينوم، ساعية إلى تحديد المؤشرات الجينية للأمراض المزمنة، وتعزيز قدرة المجتمع على الوقاية والمعالجة المبكرة.
مستقبل قائم على الابتكار المستدام
في الإمارات، يُبنى الابتكار على إرث من التكيف الذكي مع البيئة، ليصبح أداة لتمكين المجتمعات وبناء مستقبل أكثر مرونة، فالمهندسة الكيميائية مريم المزروعي، من «مصدر»، تسهم في تطوير مشاريع طاقة متجددة تعزز أمن الطاقة وتحد من الانبعاثات.
وتعد معالي الدكتورة نوال الحوسني، المندوبة الدائمة لدولة الإمارات لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، من أبرز الشخصيات المؤثرة في دعم المبادرات العالمية للطاقة المتجددة، ومن المدافعين البارزين عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة على مستوى العالم.
وفي جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، يعمل البروفيسوران: مارتن تاكاش، وساميول هورفاث، على توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لرفع كفاءة شبكات الطاقة وتعزيز مستوى أمنها، وأما يوسف بن سعيد لوتاه، فيحول من خلال شركته «لوتاه للوقود الحيوي» زيت الطهي المستخدم إلى وقود صديق للبيئة، في نموذج حي للاقتصاد الدائري.
روابط إنسانية تتخطى الحدود
هذه القصص ليست مجرد نماذج للابتكار، بل هي مرآة لقيمنا العميقة المتمثلة في: الصمود، وحب المعرفة، والتواضع، والإيمان بالتقدم المشترك. وهي تؤكد كيف تستثمر دولة الإمارات في تمكين كوادرها الوطنية، وبناء شراكات استراتيجية تعزز وتسرع خطى التقدم الجماعي نحو مستقبل أفضل.
وتتجلى هذه الروح في تصميم الجناح ذاته، المستوحى من شجرة النخيل، والذي شُيد عبر الدمج بين أسلوب العمارة التقليدية الإماراتية والبراعة الحرفية اليابانية، مجسداً قيم الصمود وكرم الضيافة والتبادل الثقافي، باعتبارها ركائز أساسية تدعم رحلتنا الطموحة «من الأرض إلى الأثير».
أما قلب الجناح، فينبض بروح فريقه؛ إذ يمثل سفراؤنا الشباب نموذجاً حياً لالتزام دولة الإمارات بالحوار الثقافي والتبادل المعرفي، فهم يلتقون يومياً بآلاف الزوار، يصغون إليهم، يشرحون لهم، ويوصلون رسائل معرفية وثقافية تعكس صورة الإمارات الحقيقية.
ومن خلال دفئهم الإنساني، وعمق معرفتهم، وثقتهم العالية، ينجحون في تغيير الانطباعات بشكل مباشر وفوري. هم لا يكتفون باستقبال الضيوف فحسب، بل يجسدون روح إكسبو الحقيقية عبر بناء مجتمعات المستقبل القائمة على التواصل الإنساني، والتعاطف، والحوار المنفتح.
المستقبل يصنعه أصحاب العزيمة الراسخة
في جناحنا، لا يقتصر الابتكار على المعروضات أو الأعمال الفنية، بل يكمن في العقول والطاقات التي تقف وراءها. وهذا هو المعنى الحقيقي لعبارة «من الأرض إلى الأثير»: فهي تعني التمسك بالثوابت مع التحليق عالياً بخيال واسع وطموح لا يعرف المستحيل، وتحمل المسؤوليات الجسيمة التي ترافق الأحلام الكبيرة.
المستقبل لا تشكله الأفكار فحسب، بل يصنعه أصحاب الرؤى الواضحة الذين يحولون الطموحات إلى أفعال، ويؤسسون شراكات تتجاوز الحدود، ويظلون ملتزمين بتحقيق تقدم ينهض بالحياة بكل أشكالها، على كوكب الأرض وخارجه.
تفخر دولة الإمارات بشراكتها مع الدول الساعية لصناعة مستقبل أكثر إشراقاً، ليس لـ6 أشهر من عمر إكسبو فحسب، بل لأجيال تتوارث الأمل والطموح؛ فنحن لا نكتفي برسم ملامح عالم أفضل في خيالنا، بل نعمل معاً، يوماً بعد يوم، لنحول هذا الحلم إلى حقيقة يلمسها الجميع.
رئيسة مكتب إكسبو الإمارات، نائبة المفوض العام ومديرة جناح دولة الإمارات في إكسبو 2025 أوساكا – كانساي