إقليم الشرق الأوسط القوي

هل يمكن لمنطقة الشرق الأوسط أن تصبح كغيرها من مناطق العالم المتصلة تاريخياً وجغرافياً وثقافياً اتصالاً أهّلها لأن تكون إقليماً قوياً بموارده البشرية والطبيعية؟

وإذا كان ذلك ممكناً، فما الأسباب والعوامل التي تحول دون ذلك على مدار عقود؟ وفي حال كانت الإجابة بنعم يمكن أن يكون الإقليم قوياً، والأسباب والعوامل المعرقلة يمكن التغلب عليها، فمتى يمكن تحقيق ذلك؟

تبدو الأسئلة ساذجة، لكنها في حقيقة الأمر تعكس أملاً في المستقبل، ولعله يكون مستقبلاً قريباً. يبدو هذا الأمل أقرب ما يكون إلى المستحيل بينما المنطقة غارقة في حرب شعواء متعددة الأطراف، وخلافات داخلية، منها ما هو ضارب في الجذور، وما استجد بفعل أيديولوجيات مسمومة، ومصالح مشبوهة، وأيادٍ ليست خارجية فقط.

بل نجحت في أن يكون لها مندوبون وممثلون في الداخل، وتركوا يرتعون في ربوع الدول لعقود طويلة، حتى أصبح بينها ما يهدد الدولة الوطنية، وينافسها في السلطة وولاء الشعوب، بل وفي امتلاك الأسلحة وتنظيم الجيوش.

أي شخص رشيد سيتمكن من تحديد مشكلات منطقة الشرق الأوسط الحالية والماضية في نقاط معروفة: الحروب وعدم الاستقرار السياسي، حيث توليفة من الصراعات الممتدة، والحروب بالوكالة والإرهاب بمسمياته المختلفة.

والتحديات الاقتصادية من فروق رهيبة بين مستويات معيشة ورفاه الشعوب المتجاورة، وفي داخل الدولة الواحدة أحياناً، والفساد بأنواعه وضعف الحوكمة، والتحديات الأمنية، والجزء الأكبر منها ناجم عن العوامل السياسية والاقتصادية، والأزمات المتعلقة بالبيئة والطبيعة من شح مياه وغذاء في بعض الدول.

وأثر تغير المناخ والتلوث، وأخيراً وليس أخيراً، بل يمكن القول إنه أولاً، العوامل الاجتماعية من تدهور أنظمة التعليم في العديد من دول المنطقة والفروق الرهيبة بين الدول وبعضها، وفي داخل الدول، وكذلك انعدام العدالة الاجتماعية في الكثير من الدول.

ومن كتب العلوم السياسية والقواعد الاقتصادية، وكذلك نقلاً عن تجارب غيرنا من الأقاليم، التي تمكنت من التغلب على مشكلاتها واجتياز عراقيل الصراعات والمؤامرات، وترك الباب مفتوحاً أمام كل من هبّ ودبّ لإملاء الأولويات، وتحديد المصائر، فإن الطريق الوحيد أمامنا الآن وأمس وغداً يتمثل في:

التعاون الإقليمي المرتكز على العوامل الاقتصادية والجيوسياسية والبشرية، لا الأخوية فقط، والاستثمار في رأس المال البشري، وبناء مؤسسات قوية، وإعادة الإعمار بعد إنهاء الصراعات نهايات مستدامة بالاستثمار في البشر عبر التعليم والتشغيل وقاية من عودة وقوعهم ضحايا التطرف والأيديولوجيات المسمومة، والتعامل مع الإقليم من منطلق سننجو جميعاً أو سنغرق جميعاً.

بمعنى آخر خروج منطقة الشرق الأوسط مما هي ونحن فيه حالياً يحتاج إلى خطوات سريعة وآنية، وفي الوقت نفسه مدروسة، لا لإعادة الإعمار فقط بعد الحروب، ولكن لإعادة بناء المنطقة على قواعد عقلانية، وأسس منطقية، يتواءم فيها العقل مع القلب دون تغليب لأحدهما على الآخر.

وفي عملية إعادة البناء لا بد من إقصاء سموم الطائفية، لم يحدث أن شيدت أمة أو دولة أو إقليم المجد على أسس طائفية، ويكفينا ما فعلته الطائفية بصورها بنا، بدءاً بجماعات الدين السياسي، مروراً بالصراعات بين الطوائف، وانتهاء بالسماح بقوى خارجية باستخدام الطائفية سلاحاً نقتل به أنفسنا.

الطائفية فكرة قديمة، لكنها ترتع وتنتشر، وتتكاثر في الصراعات الأكثر دموية حولنا، والتعامل مع هذه الصراعات دون علاج الأسباب والأعراض الطائفية سيكون تعاملاً مؤقتاً سرعان ما يفجر المنطقة مجدداً.

كثيراً ما أسمع تعليقات صادمة على فكرة أن القضية الفلسطينية قضية احتلال لا قضية دين يصارع آخر، حيث إنهم من حولوها دينية، وعلينا أن ندافع عن ديننا.

طُعم الطائفية مثير ومضمون المفعول، ولو انطلقنا في التعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية أرض وماء وحقوق، مع مكون ديني تم استغلاله والنفخ فيه حتى أصبح المهيمن والمسيطر، ربما تسفر جهود إعادة بناء المنطقة إلى حلول مستدامة، وبالتالي خطوات حقيقية نحو تحول المنطقة لإقليم قوي ذي شأن، تمكن من تحقيق النجاة لجميع مكوناته.