عمقت وسائل التواصل الاجتماعي فرصة طرح الناس لآرائهم، في كل شيء، بدءاً من الأشياء الأكثر تأثيراً وأهمية في حياتهم، وانتهاء بأداء لاعب في مباراة كرة قدم لا تهم سوى المشاركين فيها، لتحديد مركزين لن يصعد أحدهما على منصة التتويج، أو إطلالة مغمورة عابرة على سجادة مهرجان ضئيل الشهرة والأثر، وأصبحت الأحكام الفردية سائدة، وكأنها عملة لا تكلف مانحها أي قيمة، إذا ما أنفق منها بسخاء، مع كل بوست، أو منشور، يطلقه بكبسة زر يسيرة.
لن تتمكن منصة رقمية من منع مستخدميها عن التعبير عن آرائهم، حتى مع التقنيات الذكية، وتطور آليات الحجب لدى جيش موظفي مارك زوكربيرغ، وإيلون ماسك، وسواهما من مالكي ومستحوذي تلك المنصات، وتغذيتها بالكلمات والمصطلحات غير المرغوب في تمريرها، وسيظل لروادها حلول لتجاوز القيود، آخرها المغادرة والبحث عن بديل، ولن يفلح الردع وحده في زرع الوعي بالفرق بين حرية الرأي والتجاوز في حق الآخرين، وسيظل الناس يسعون إلى التعبير عن آرائهم، مهما تكاثرت العوائق وتنوعت.
التعبير عن الرأي سلاح بشري مشروع، لكنه قد يصبح ذا حدين، في حال إساءة استخدامه، فيعرض صاحبه لاستهجان اجتماعي، أو يضعه تحت طائلة المساءلة القانونية، وقد لا يصل إلى السوءتين السابقتين، لكنه قد يشكل مصادرة غير مقبولة لحريات الآخرين وحياتهم وقناعاتهم الخاصة، وترويجاً لممارسات سلبية في المجتمع.
لم يعش فيلسوف القرن الثامن عشر الفرنسي، فولتير، الذي أبدى حماسته للدفاع عن المختلفين معه في الرأي، عصر فورة الآراء والأحكام الشخصية، التي تنثرها أمامنا منصات التواصل، في كل لحظة، وحتى المقولة العربية الأثيرة «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية»، التي تلقفها الشارع العربي، بعد أن صاغها المفكر الراحل أحمد لطفي السيد قبل أكثر من قرن، لم تعد كثيرة التداول أو شائعة الاستخدام، وأصبحنا نجد يومياً الكثير من النزاعات العدائية الشرسة، وأحكاماً تُصدر دون تمحيص، وآراء يلقي بها أصحابها، متجاوزين ما يسمح بدوام الود، بدلاً من إفساده، رغم الاختلاف.
الكلمة التي نقوم بنشرها، لا تختلف عن نظيرتها، التي تطلقها ألسنتنا، بل لعلها أوسع انتشاراً، وأبعد أثراً وأدوم، ومجتمع «السوشيال ميديا»، سيكون بخير لو بقيت الكلمة على حالها المرجو.