ارتباط القانون في أهدافه العليا بتحقيق العدالة، يجعل المرونة التشريعية التي تلبي تطورات الواقع اقتصادياً واجتماعياً، وتستجيب للتغيرات المستقبلية المحتملة، جزءاً أصيلاً من نجاح المنظومة القانونية في أي مجتمع، وركيزة أساسية في إرساء بنى تشريعية متينة ومتطورة وقادرة على ترسيخ القيم الحقوقية للأفراد والمؤسسات والحكومات، ليكون القانون بسيادته وشموليته ومرونته وكفاءته أداة داعمة لتطلعات التنمية الشاملة.
وتمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة فكراً قانونياً رائداً في سن تشريعاتها التي ترسم استراتيجيات وطنية تحقق توجهات القيادة الرشيدة، وتتماشى مع متطلبات الصدارة في التنافسية العالمية، وتراعي في الوقت ذاته حقوق وواجبات جميع من تنطبق عليهم تلك التشريعات، كما حرصت على أن توفر لتلك البيئة كافة مقوماتها، بما في ذلك تبني الاتجاهات الحديثة في فض المنازعات، وذلك من خلال البدائل القانونية التي تسهم في سرعة الفصل في المنازعات بالطرق الودية والتفاوضية، وهو ما يتجلى بوضوح في العديد من القوانين التي أصدرتها الدولة، محلياً واتحادياً، في توفير الطرق البديلة للتقاضي، دون اللجوء إلى القضاء العادي، وهو ما هيأ معه آفاقاً عدلية جديدة تلتقي بشكل مباشر مع الغايات والقيم التشريعية في الدولة، التي تدعم المناخ الاستثماري، وتسهل الإجراءات الضامنة لتحقيق العدالة، وتوفير الوقت والجهد والنفقات التي قد ترتبط بطبيعة الإجراءات القضائية العادية، مقارنة مع لجوء أطراف النزاع إلى التوفيق والتحكيم والتسوية الودية.
واتساقاً مع تلك الجهود، وإلى جانب اختصاصها الأصيل في التحكيم، تبنت دائرة الشؤون القانونية لحكومة دبي مشروعاً طموحاً لتعزيز الوساطة في فض المنازعات المدنية والتجارية كإحدى الطرق البديلة للتقاضي، من خلال بناء القدرات والمهارات في امتلاك الأدوات التفاوضية، والتبادل المعرفي للخبرات العملية التي تسهم في تعميق الممارسات الفردية والمؤسسية في الوساطة، ورفع الوعي لدى الجميع بأهميتها كإحدى سبل تحقيق العدالة، إلى جانب الاستفادة من الخبرات الدولية التي تؤطرها الشراكات، والتي تدعم وجود تطبيق فعال للتشريعات الوطنية في مجال الوساطة، بما يتفق مع المعايير الدولية التي تحقق أعلى مستوى من الثقة والنزاهة والشفافية والحيادية.
إن دولة الإمارات، وهي تشارك العالم احتفاله باليوم العالمي للقانون، لتؤكد أنها ستظل مثالاً فريداً للمواكبة والتطور في ترسيخ مبادئ العدالة وإعلاء قيم القانون، وإرساء كل ما يحقق للمجتمع استقراره، ويعزز ثقافة التسامح والتعايش في كل ممارسات الحياة التي يحكمها ويحميها القانون، والذي يمثل إطاراً واضحاً ونزيهاً في الحفاظ على مصالح المجتمع بكل مكوناته، والوقوف من الجميع على مسافة واحدة، وتحقيق العدالة الناجزة لطالبيها، وذلك هو التطبيق العملي الدقيق لمفهوم سيادة القانون.