مما لاشك فيه أن الإعلام أضحى اليوم، بإمكاناته المتطورة، لاعباً خطيراً ومؤثراً في حياة المجتمعات، وبالمثل، فإن الإعلام الموجه للطفل، ممثلاً بمجلات الأطفال، بات صاحب دور كبير في حياة الصغار، وهم يخطون خطواتهم الأولى نحو معترك الحياة.
ويمكن تعريف مجلات الأطفال بأنها تلك المكتوبة والموجهة بشكل مقصود من الكبار إلى الصغار، لتمثل أول لقاء للطفل مع الكتابة الأدبية والفنية والعلمية، فيمكنها، بسبب طبيعتها الخاصة، أن تلعب دوراً مؤثراً لجهة تزويد الصغار بالمعلومة، وتعويدهم على القراءة، وتنقيح عقولهم، وإبراز مهاراتهم، وتنمية ذائقتهم الفنية والجمالية، وتشكيل معتقداتهم وأنماط سلوكهم، وتأسيس توجهاتهم وأسلوب تعاملهم مع بعضهم البعض، أو مع الآخر. علاوة على إمتاعهم في الوقت نفسه بالصور والحكايات والرسومات والألعاب والأناشيد والألغاز والمسابقات.
في هذا السياق، كتب الباحث العماني الدكتور عامر محمد العيسري في صحيفة الرؤية العمانية (2018/1/4) قائلاً إن: «الاهتمام بالطفل وتنميته من أهم وأبرز الأمور المعني بها على جميع المستويات اجتماعياً، تربوياً، وسلوكياً ونفسياً. ومن هنا، تبرز الكتابة الموجهة للطفل، كعامل فاعل للمساعدة في تكوين شخصية الطفل بشكل سليم، حيث يعول على هذا الأمر الكثير من التربويين والإعلاميين والكتاب، الذين يخصصون من مدادهم نصيباً وافراً للأطفال، بموضوعات تناسب ميولهم، وتستشعر رغباتهم وقدراتهم، وتصقل مهاراتهم».
ويضيف الكاتب في موقع آخر من بحثه قائلاً ما معناه، إنه لما كانت مجلة الأطفال بمثابة حديقتهم وبيئتهم التي يتعايشون معها، فمن الضروري أن تتسم بخصائص من تلك التي تحث الأطفال الصغار على اقتنائها ومطالعتها، كأن تكون متخصصة في معارفهم وأدبهم وثقافتهم، وتتبنى كتاباتهم، وتستقبل رسائلهم، وتنشر إنتاجهم وصورهم، وتصقل مواهبهم، وتنمي قدراتهم ومستويات ذكائهم، وتنقل أخبارهم ونشاطاتهم، وتساير قدراتهم العقلية، وتتفهم نفسياتهم، وتؤثر في عواطفهم، وتعرفهم إلى بيئتهم ومحيطهم ومجتمعاتهم.
تقول المصادر التي اطلعت عليها حول تاريخ نشأة صحافة الطفل، ومن بينها بحث الدكتور العيسري، أن أول مطبوعة خاصة بالأطفال في العالم، ظهرت في فرنسا سنة 1830، ثم تبعتها في عام 1896، نشرة مطبوعة للأطفال، في شكل ملحق بجريدة «العالم» الأمريكية.
أما إنجلترا، فلم تظهر فيها هذه النوعية من الصحافة إلا في عام 1915، حينما صدرت مجلة باسم «روضة المدرسة». بعد ذلك ظهرت صحافة الأطفال في مختلف الدول الأجنبية تباعاً، مع تخصيص بعضها للإناث، والبعض الآخر للذكور، ناهيك عن تنوعها من حيث المستوى العمري للطفل المتلقي، ومن حيث التخصص (علمي، سلوكي، معرفي، ترفيهي، منوع).
أما العالم العربي، فيقال إن أول عهده بمجلات الأطفال كان في عام 1870، حينما بدأ رفاعة الطهطاوي في القاهرة، محاولة أولية، تمثلت بإصداره صحيفة خاصة بنتاج التلاميذ الأدبي والشعري والقصصي، تحت اسم «روضة المدارس». لكن الثابت والمؤكد، أن أولى مجلات الأطفال العربية ظهرت في القاهرة في عام 1893، تحت اسم «المدرسة»، وفي عام 1923، أصدرت دار اللطائف القاهرية مجلة مصورة للأطفال باسم «الأولاد». تلتها في عام 1952 مجلة «سندباد»، الصادرة عن دار المعارف المصرية، ثم مجلة «علي بابا»، في نفس الفترة تقريباً، فمجلة «سمير»، التي أصدرتها دار الهلال بدءاً من عام 1956، فمجلة «ميكي»، التي صدرت عن دار الهلال أيضاً من 1959، حتى توقفها في 2003.
ويعتبر لبنان البلد العربي الثاني بعد مصر لجهة غزارة المطبوعات الخاصة بالأطفال، حيث ظهرت فيه مجلات: الفرسان، المغامر، سوبرمان، الوطواط، البرق، بساط الريح، سامر. علاوة على النسخة العربية من مجلة «لولو الصغيرة» البريطانية، والنسخة العربية من مجلة «بطل الهنود الحمر» الأمريكية تحت اسم «طارق».
في منطقة الخليج العربي، شهدت دولها في فترة متأخرة نسبياً، ظهور مطبوعات خاصة بالأطفال. وتعتبر المملكة العربية السعودية الأولى على هذا الصعيد، ذلك أن أقدم مجلات الأطفال فيها أصدره الشاعر والأديب طاهر الزمخشري (بابا طاهر)، من مكة المكرمة، تحت اسم «الروضة» في 1959. وتأتي الكويت في المرتبة الثانية، حيث ظهرت بها مجلة «سعد»، الصادرة عن دار الرأي العام في 1969، كما أن وزارة الإعلام الكويتية التي تصدر عنها مجلة «العربي» الشهرية، قررت منذ عام 1983، أن يكون للمجلة ملحق خاص بالأطفال باسم «العربي الصغير». وفي البحرين، ظهرت مجلات «بشار» و«مصطفى» و«كتابي» في الثمانينيات، وتلتها في السنوات الأخيرة مجلة «مدارس» الشهرية المجانية، الصادرة عن وزارة التربية والتعليم، ومجلة «وطني» الشهرية المجانية، الصادرة عن إدارة الإعلام بوزارة الداخلية. وفي قطر، صدرت في عام 1987 مجلة رائدة للأطفال، بعنوان «حمد وسحر»، عن وزارة التربية، ثم مجلة «أحمد»، علاوة على بعض المجلات المترجمة، مثل «لولو» و«سوبرمان».
أما سلطنة عمان، فقد شهدت محاولة إصدار مجلة «قناديل»، التي لم تستمر سوى عامين، ثم ظهرت ملاحق خاصة بالأطفال من خلال صحف مسقط اليومية ومجلاتها الشهرية، مثل «الشراع الصغير»، عن صحيفة الوطن، و«أولاد وبنات»، عن صحيفة الشبيبة، و«أحباب البيئة»، عن وزارة البلديات والبيئة والمياه، وملحق «أحباب المسجد»، عن مجلة الرسالة، علاوة على أول ملحق باللغة الإنجليزية للأطفال عن صحيفة الأوبزرفير، تحت عنوان Youth Observer.
المقدمة السابقة كانت تمهيداً للحديث عن أحد رواد صحافة الأطفال بمنطقة الخليج، وهو الأديب المصري أحمد عمر، الذي توفي في 9 أغسطس الماضي، بمسقط رأسه في القاهرة، عن 85 عاماً، على إثر وعكة صحية، بعد أن ساهم مساهمة لا تنسى في تاريخ صحافة الطفل الخليجي، وترك عليها بصمات خالدة، من خلال الإشراف على مجلة «ماجد» في أبوظبي، وإدارة شؤونها فور تأسيسها، وتولي رئاسة تحريرها، وابتكار شخصياتها الكرتونية، إلى أن وقفت على أرجلها كإحدى أهم المجلات العربية الخاصة بالأطفال، وأكثرها شعبية وتوزيعا في العالم العربي.
ومجلة «ماجد» صدرت بدءاً من 28 فبراير 1979، عن «شركة أبوظبي للإعلام»، لتواكب الاحتفال بالسنة الدولية للطفل، ولتكون أول مجلة للأطفال في دولة الإمارات العربية المتحدة، بهدف تنمية تعزيز الانتماء الوطني والهوية الوطنية، ونشر الثقافة والمعرفة، من خلال مواضيع وحكايات ومغامرات، بأسلوب فني راقٍ، يتناسب مع أعمار القراء الصغار. وسميت بهذا الاسم، تيمناً باسم البحار الإماراتي ابن رأس الخيمة «شهاب أحمد بن ماجد».
وصدرت «ماجد» مذاك وحتى بداية عام 2020، كمجلة أسبوعية موجهة للأطفال ما بين سن السابعة والرابعة عشرة. ومنذ مطلع عام 2020 إلى اليوم، تحولت إلى مجلة شهرية، علماً بأنها أطلقت موقعاً إلكترونياً خاصاً بإصداراتها منذ 2009، بهدف تسهيل التفاعل بينها وبين قرائها الصغار، ثم أطلقت بدءاً من 2015 قناة تلفزيونية، تحت اسم «قناة ماجد». علاوة على ما سبق، حرصت المجلة على أن تكون حاضرة ومشاركة في العديد من المعارض المتخصصة في كتب الأطفال، مثل معرض أبوظبي الدولي للكتاب، ومعرض القاهرة، ومعرض صفاقس بتونس، ومعرض بولونيا العريق.
ويعد الأديب أحمد محمد عمر، أول من تولى رئاسة تحريرها، ونجح في تطويرها، وحولها إلى مطبوعة معروفة ومطلوبة في مختلف الأقطار العربية، ليس للصغار فحسب، وإنما لأسرهم أيضاً، فواصلت مسيرتها دون انقطاع إلى اليوم، بفضل جهوده وجهود طاقم من ألمع المحررين والرسامين والمبدعين الإماراتيين والعرب، ممن اختارهم بنفسه، علاوة على جهود بعض من القراء الصغار، الذين أصبحوا مع مرور الأيام كتاباً دائمين بالمجلة، ينشرون إبداعاتهم مقابل مكافآت مالية تصرف لهم من باب التشجيع والدعم والاستمرارية، أو مندوبين لها في مختلف المجتمعات والبيئات العربية، ينقلون للمجلة أخبارها وأحداثها وفعالياتها.
ولعل ما يؤكد نجاح المجلة ومتانة موقعها في عالم المطبوعات الموجهة للطفل الخليجي والعربي، هو الإحصاءات التي أوردتها المؤسسة الدولية للتحقق من الانتشار، والتي أفادت بأن توزيعها وصل إلى رقم قياسي، لم تصل إليه مجلة مماثلة من قبل، وهو 176500 نسخة في الأسبوع.
ولد أحمد عمر في القاهرة بتاريخ 25 سبتمبر 1939، وبعد أن أنهى تعليمه العام، التحق بكلية الآداب في جامعة القاهرة، التي تخرج فيها، حاملاً ليسانس الآداب/ قسم الصحافة، وأتته فرصة العمل بدولة الإمارات، التي استهل منها مسيرته المهنية، عبر الالتحاق بإحدى الصحف المحلية كأحد أعضاء فريقها التأسيسي، فشارك في وضع لبناتها الأولى، وتولى فيها قسم المحليات.
استمر صاحبنا يعمل بجد ومثابرة في أبوظبي، الأمر الذي لفت أنظار رؤسائه، فأوكلوا إليه الإشراف على مجلة «ماجد» منذ الانطلاقة، ورئاسة تحريرها. وكان أحمد عمر مؤهلاً لهذا المنصب، ليس لأنه خريج الصحافة فحسب، وإنما أيضاً بحكم تعمقه في معرفة خبايا الطفولة وأسرارها، وعشقه للأطفال الذين لم يرزق بواحد منهم. هذا ناهيك عن عشق كبير ولد معه للقراءة والكتابة منذ سنوات طفولته المبكرة. يقول أحمد عمر، في إحدى مقابلاته الصحافية، إن حبه للقراءة بدأ مع القرآن الكريم وهو في سن الرابعة، وكان وقتها يسلي نفسه أيضاً بقراءة روايات «أرسين لوبين»، التي وجدها شيقة ومسلية وتنمي الذكاء، وتغري بمواصلة القراءة دون انقطاع، وبالتالي، تعوّد الطفل على القراءة المستمرة، تزرع فيه الرغبة للبحث عن المزيد من الكتب.
بعدها تعرف إلى «سور الأزبكية»، حيث تباع إلى اليوم الكتب القديمة والمستعملة بأسعار زهيدة، وصار زبوناً دائماً لهذا السوق، وأخذ يقرأ ليصنع مخزوناً فكرياً في ذاكرته، وكانت كتب التراث تتصدر اهتماماته المبكرة، إضافة إلى روايات نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وجمال الغيطاني، وغيرهم من أدباء مصر الكبار، فأسس لنفسه مكتبة ضخمة، ساعدته لاحقاً في حياته العملية.
وهكذا شمر الرجل عن ساعديه، وبدأ في العمل بجد ضمن مشروع تأسيس مجلة «ماجد» من الصفر، متوخياً فيها بالدرجة الأولى أن تعكس الهوية العربية الخليجية في المضمون والأحداث والشخصيات، وتحافظ على خصوصية الطفل الخليجي وقيمه، وبالدرجة الثانية، أن تلبي حاجات الطفل العربي والخليجي، وتعبّر عن فكره ومشاعره، من خلال الكلمة والرسمة. ومن هنا، جاء ابتكاره لشخصية الطفل ماجد، التي حرص فيها أن تكون معبّرة عن القيم الإنسانية، وليست عاكسة لصورة الأبطال الخارقين.
لم تكن شخصية ماجد هي الوحيدة التي ابتكرها الرجل لمجلته، وإنما ابتكر أيضاً معظم شخصياتها الأخرى، التي حظيت بمحبة الأطفال، مثل: «كسلان جداً»، و«موزة الحبوبة»، و«فضولي»، و«أبو الظرفاء»، و«زكية الذكية»، و«شمسة ودانة»، و«النقيب فهمان» و«المساعد خلفان».
أحاط أحمد عمر مجلة «ماجد» برعايته كولد له، فبالغ في الاهتمام به، وسهر على راحته ليلاً ونهاراً، وراح يخطط له، ويتابع خطواته بدقة وشغف، ويثري مخيلته بقصص وحكايات وشخصيات، حتى كبر وأينع.
وحينما بلغ الابن الثلاثين من العمر، في عام 2009، تركه يعتمد على نفسه، وعاد هو إلى مسقط رأسه، ليعيش به بقية عمره، إلى أن وافته المنية. وهكذا نجد أن صاحبنا ظل يشرف على المجلة ويدير تحريرها ويطورها، ويكتب افتتاحياتها بعبارات تربوية، وشحنات معرفية وتعليمية، من عام 1979 إلى عام 2009، ثم تولت دفة المجلة من بعده السيدة فاطمة سيف، التي عملت من موقعها على تبنّي سياسة إعلامية جديدة، تهدف إلى تمكين الأطفال من تولي مناصب إعلامية، فعينت في عام 2020، مريم السركال، رئيسة لتحرير «ماجد». وأحمد عمر، الذي كان يؤمن بأن «تشجيع الأطفال على القراءة مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة والمجلة، فإذا لم يهتم الطفل منذ صغره بعادة القراءة، فلن يهتم بها مستقبلاً، وإن مجرد اهتمام الطفل بقراءة مجلة، خطوة على طريق اكتساب عادة القراءة»، تم تكريمه بمنحه جائزة صحافة الطفل في سنة 2004، وترك خلفه مجموعة من القصص المصورة للأطفال، من بينها: «كسلان جداً حول العالم وقصص أخرى»، و«كسلان جداً وحكاياته العجيبة».