في أكتوبر عام 2005، توفيت الأمريكية السمراء «روزا باركس»، عن عمر 92 عاماً.
تم تكريمها بأن دفن جثمانها في أحد مباني الكونغرس، لتكون إحدى ثلاثين شخصية فقط حظوا بهذا التكريم منذ عام 1852. وكانت خلال حياتها منحت العديد من الأوسمة.
سبب هذا التكريم، كلمة «لا» قالتها في وجه الظلم.
وقتها كانت العنصرية في أمريكا بلغت ذروتها. لافتات«ممنوع دخول السود» تعلق على واجهات المطاعم والمحلات ودور السينما، والكثير من الأماكن العامة. في الأول من ديسمبر 1955، كانت روزا عائدة إلى بيتها بعد يوم عمل مضنٍ، في مشغل الخياطة الذي كانت تعمل فيه.
صعدت إلى الحافلة التي لم تكن امتلأت بالركاب بعد. وبعد محطتين أو ثلاث امتلأت الحافلة بالركاب. وكانت العادة في مثل هذه الحالة، أن يجد الرجل الأبيض مقعداً يجلس فيه أسود. يزجره ويأمره بالقيام، ويجلس مكانه. جاءها رجل أبيض وأمرها بإخلاء المقعد له، حسب ما هو متبع، إلا أنها رفضت، وقالت له «لا»، لن أغادر مكاني.
استغرب الركاب، وطلبوا منها ترك مكانها، وهددوها وشتموها، إلا أنها كررت الرفض. وفي أقرب مركز للشرطة، أوقف السائق الحافلة، وتقدم بشكوى ضد روزا، بدعوى تعديها على حقوق البيض. تم تغريمها خمسة عشر دولاراً.
انتشر خبر حكاية روزا بين الأمريكيين السود، وبدأت حملة مقاطعة وسائل المواصلات العامة في كافة الولايات، وسط حالة من الغليان. استمرت الحملة 381 يوماً، وأحدثت شللاً في قطاع المواصلات، إلى أن حكمت إحدى المحاكم لصالح روزا. على إثر ذلك، تم إلغاء الكثير من الأعراف والقوانين العنصرية، ما أوصل السود إلى المناصب العليا في الدولة، بما فيها الرئاسة، باراك أوباما مثالاً.
بحثتُ عن أسماء أشهر نساء في التاريخ، وفقاً للتصنيف الغربي، فوجدت: ماري كوري عالمة الفيزياء، التي حصلت على جائزة نوبل مرتين، لأبحاثها حول النشاط الإشعاعي، ودوره في علاج السرطان. اميلين باركس، التي ساعدت المرأة في الحصول على حق التصويت عام 1918. أدا لوفلايس أول مبرمجة حاسوب في التاريخ، قبل ظهور الحواسيب الحديثة.
مارغريت تاتشر أول امرأة تتولى منصب رئيسة وزراء بريطانيا. وطبعاً روزا باركس، التي حولت مجرى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية من مقعدها في الحافلة الذي رفضت التخلي عنه، ففتحت الباب لإنهاء الفصل العنصري ضد السود.
ما يلفت الانتباه أن الغرب لا يرى في الكون سوى الغربيين. فلم يذكر أي امرأة من منطقتنا العربية، أو حتى آسيوية، في قائمة النساء اللاتي غيرن وجه التاريخ. لم يذكروا كليوباترا التي دافعت عن بلادها ببسالة ضد الإمبراطورية الرومانية. ولم يذكروا بلقيس ملكة سبأ، ولا زنوبيا ملكة تدمر.
وحديثاً، لم يذكروا سميرة موسى عالمة الطاقة النووية المصرية، ولا أياً من رائدات التطور في بلادهن العربية، أمثال لطيفة النادي أول امرأة مصرية تحصل على رخصة طيران، وسنية حبوب أول لبنانية تدرس الطب خارج لبنان، هدى شعراوي رائدة حركة تحرر المرأة في مصر، وغيرهن كثر. وكلهن في بدايات وأواسط القرن العشرين. وبين ظهرانينا اليوم من هن مثلهن، وربما أكثر إبداعاً.
على من تقع مسؤولية تجاهل المبدعين والمبدعات العرب؟
هل هي الحكومات، أم عقدة النقص الوهمية، أم، وهذه هي الأرجح، أن التاريخ يكتبه المنتصرون، وهي المقولة التي تنسب أحياناً إلى رئيس وزراء بريطانيا، ونستون تشرشل. يكتبون ما يناسبهم، ويحذفون ما لا يناسبهم!