من أهم الأقنعة التي كشفت عنها حرب غزة اثنان، الأول قناع إسرائيل الديمقراطية  والثاني معاداة السامية . وهما ما استطاعت إسرائيل إقناع الغرب بهما طيلة 75 عاماً فيما الواقع عكس ذلك تماماً.

بعد السابع من أكتوبر أصبح كل العرب الفلسطينيين في الداخل، مشبوهين في الوعي الاسرائيلي. ذلك بفعل اليمين المتطرف في حكومة بنيامين نتنياهو ممثلاً ببن غفير وسموتريتش والذي يتحكم، أي اليمين، بأهم وزارتين وهما الأمن الداخلي والشرطة للأول والمالية للثاني. والأهم بمصير نتنياهو بصفته رئيساً للحكومة. وكم من مرة هدداه بالانسحاب من الحكومة إذا رضخ لمطالب «حماس» وأوقف الحرب على غزة. ما يعني سقوطه وذهابه إلى السجن بسبب الدعاوى القضائية المرفوعة ضده بتهم الفساد والرشوة.

تقول صحيفة «هآرتس» في افتتاحية لها إن الثقة بين الطرفين تضررت عميقاً منذ 7 أكتوبر واستمرار حرب غزة. وتكشف دراسة لمركز «اكورد» في الجامعة العبرية عن انخفاض واضح في استعداد اليهود للعمل مع العرب ذوي التعليم الأكاديمي وتفضيل عمل العرب بمنظمات فيها أغلبية عربية.

وتفسر الصحيفة ذلك بأنه انعزالية تنبئ بمستقبل مظلم للمجتمع كله وستمس الاقتصاد الإسرائيلي، والأكثر من هذا ستكون النتيجة ضربة قاصمة لحصانة إسرائيل الاجتماعية والمدنية. فالعرب يشعرون بانعدام الأمن الشخصي فهم مظلومون مضطهدون ويخافون التعبير عن آرائهم علناً ويمتنعون عن التحدث بلغتهم الأم خشية إثارة الانتباه.

تشير «هآرتس» إلى  أن إقصاء المواطنين العرب، الذين يشكلون خمس السكان، يؤكد هشاشة الديمقراطية الإسرائيلية. وتعتبر أن هذا هو الاختبار الصعب للديمقراطية وليس هناك فرصة أخرى لإصلاح الوضع وأن الشراكة بين اليهود والعرب هي السور الواقي قبل التدمير النهائي للديمقراطية في الدولة التي تتصدرها حكومة الخراب ، حسب تعبير الصحيفة الإسرائيلية.

المؤرخ والأكاديمي الاسرائيلي ايلان بابيه المدرس في جامعة اكسيتر البريطانية يقول إن ثمة صراعاً سيستمر بين دولة يهوذا  التي تريد أن تكون إسرائيل أكثر تديناً وتعصباً وبين دولة تل أبيب أي الإسرائيليين الأكثر علمانية التي يعتبرها البعض أكثر ديمقراطية. لكنهما كلتاهما ليستا ديمقراطيتين عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين. ويرى بابيه أن الحل دولة ديمقراطية حقيقية من البحر إلى النهر.

هذا عن علاقة اليهود بالعرب، فماذا عن علاقة اليهود باليهود؟

ربما أسوأ، حسب البعض،  فاليهود المتدينون «الحريديم» يواصلون مظاهراتهم المناوئة لتجنيدهم في الجيش باعتبارهم متفرغين للدين وتنفق الدولة على مدارسهم من دون أن يقدموا إنتاجاً ومساهمة في الاقتصاد،  وهو ما يرفضه العلمانيون في ظل حاجة الجيش لجنود مع استمرار حرب غزة أكثر من ستة أشهر.

نتنياهو الذي يلعب على كل الحبال يحاول أن يرضي المتطرفين ويستمع للعسكر والمعتدلين في الوقت نفسه، فتارة يعرض تقليص سن التجنيد للحريديم وتارة يتجاهل قرار المحكمة العليا بتجنيدهم، لكنه لن يستطيع الكذب على الكل كل الوقت. خاصة أن حاخام الحريديم هدد بأنه وطائفته سيغادرون  اسرائيل إذا أجبروا على التجنيد. ما يعني سقوط حجر آخر من المكون الإسرائيلي ضمن ما تؤول إليه إسرائيل من تفكيك الفسيفساء الغريبة غير المتجانسة التي قامت عليها  الدولة .

أما حكاية معاداة السامية فهي القناع الآخر الذي كشفت عنه حرب غزة ولم تعد تنطلي على كثير من الشعوب الأمريكية والأوروبية خاصة فئة الشباب. فقد بهت لون الكارت الأحمر الذي دأبت إسرائيل على رفعه في وجه كل من ينتقد سياستها وجرائم الإبادة التي تقوم بها في غزة.

هنا قائمة بمن اتهمتهم حكومة نتنياهو بمعاداة السامية لمجرد انتقادهم لجرائمه التي طالت أكثر من مئة ألف من القتلى والجرحى من الأطفال والنساء والمدنيين:
وكثيرون على سبيل الابتزاز على مدى 75 سنة هي عمر الدولة ، أبرزهم المفكر الفرنسي روجيه غارودي، الممثل العالمي ميل جبسون كين ليفنغستون، مارلون براندو «العراب»، الأب الفرنسي بيير وغيرهم ممن يقولون أو حتى يلمحون للحقيقة التي سعت إسرائيل لطمسها وجاءت حرب غزة لتزيل عنها غبار الدعاية الإسرائيلية والقادم أخطر.