«شخصيات تحت المجهر»

حمد الصقر.. ملك التمور ورئيس أول مجلس شورى كويتي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أنجبت عائلة الصقر الكويتية، التي نزحت إلى الكويت من الأفلاج في نجد، العديد من الأعلام والشخصيات التي أثرت في تاريخ الكويت السياسي والاقتصادي قديماً وحديثاً.

وتنحدر العائلة من الزايد من الدهامشة من قبيلة عنزة، وهي متفرعة من جدهم الأكبر تاجر الماشية «صقر بن محمد بن غانم»، لذا، فهم يعرفون في الكويت باسم «الصقر الغانم».

وطبقاً لما ورد في موقع «تاريخ الكويت» الإلكتروني وغيره من المصادر، فإن مؤسس العائلة هو صقر بن محمد بن غانم، الذي أنجب يوسف. ويوسف صقر محمد الصقر (الجد الأكبر للمترجم له)، عاش في عهد حاكم الكويت الثالث، الشيخ جابر بن عبد الله الصباح، الذي استمر من 1814 إلى 1859، ويعد من أقدم وأشهر نواخذة الكويت الذين تعاملوا مع الهند، نقلاً للبضائع منها وإليها. وكان ينقل الملح من جزيرة جشم الفارسية إلى كلكتا، وينقل منها مختلف أنواع السلع الغذائية والاستهلاكية إلى الكويت. وتذكر له أعمال خيرية، منها تبرعه بكمية كبيرة من الأخشاب لتجديد مسجد السوق الكبير عام 1839. وتوفي سنة 1846 غرقاً، قبالة سواحل مليبار بولاية كيرالا الهندية، جراء عاصفة قوية ضربت سفينته.

أنجب يوسف الصقر ابناً سماه عبد الله (الجد المباشر للمترجم له)، وهذا ورث عن أبيه مهنة التجارة وقيادة السفن الشراعية إلى الهند، لجلب البضائع المختلفة، لكنه اختلف مع جماعة من مواطنيه، فآثر أن يرحل عن الكويت نهائياً، فسافر بحراً مع عماله وخدمه إلى سواحل أفريقيا سنة 1871، واستقر هناك بمدينة ماليندي الكينية، إلى أن توفي ودفن بها، تاركاً خلفه في الكويت ابنة وعدداً من الأولاد الذكور، أشهرهم ابناه صقر وحمد. أما صقر عبد الله يوسف الصقر (أخو المترجم له)، فقد اقتفى أثر والده باحتراف قيادة السفن، فصار نوخذة شهيراً وقديراً، يجوب البحار بين الخليج والهند وأفريقيا، وبرز في مجتمعه الكويتي كواحد من التجار المتعاملين والمترددين على الهند، وممن تملكوا منزلاً فخماً هناك بمدينة كاليكوت.

وأما «حمد عبد الله يوسف الصقر»، الذي خصصنا هذه المادة لاستعراض سيرته، فقد أبصر النور في الحي الشرقي من العاصمة سنة 1871، في عهد الشيخ عبد الله الثاني بن صباح الثاني (1866 ــ 1892)، ابناً لأب هو «عبد الله يوسف الصقر»، الذي لم يره، لأنه توفي قبل ولادته بشهر، وأم هي «عائشة بنت يوسف البدر»، وبالتالي، فإن جده لأمه هو تاجر الخيول الكويتي المعروف، يوسف بن عبد المحسن البدر، وجدته لأمه هي نورة حمد الشايع.

وجد الحاج حمد الصقر نفسه، يكبر ويترعرع تحت رعاية أعمامه وأخواله، وسط أسرة ميسورة ذات مكانة اقتصادية وأنشطة تجارية ممتدة في الكويت والعراق والهند وعدن، وصاحبة أساطيل من السفن الشراعية، التي كان يديرها ثلة من أمهر نواخذة الكويت وأشهرهم. فتعلم ألف باء التجارة بالفطرة، وحينما كبر، لم يرغب في ممارسة قيادة السفن، وفضل عليها العمل التجاري والاستثماري، فشارك أخاه صقر في الإمساك بتجارة العائلة، وأدارها بمهارة، وراح يوسع أساطيلها البحرية ووكالاتها التجارية في الخارج، وينمي ثروتها بالاستحواذ على مساحات واسعة من بساتين النخيل في البصرة والفاو والمحمرة، حتى حاز على لقب «ملك التمور»، كناية عن استقطابه لنحو 70 % من تجارة التمور المتجهة بحراً نحو شبه القارة الهندية. كما أنه توسع في شراء الأراضي والدكاكين في عبادان ومدن إقليم عربستان. ويمكن القول إن تخصصه في تجارة التمور، جعله وأبناءه من بعده بمأمن من التقلبات الاقتصادية، إذ لم تلحق به أي خسارة، مشابه لما حدث مع أقرانه ممن تخصصوا في تجارة اللؤلؤ، فبارت تجارتهم بسبب الكساد العالمي، واكتشاف اللؤلؤ الصناعي في اليابان.

لم ينسَ حمد الصقر وطنه وأهله ومجتمعه البسيط آنذاك، فعمل على توفير مصدر للرزق للعديد من العائلات الكويتية، في الزمن الصعب، من خلال توظيفهم ودعمهم وإقراضهم، كما أمن لمواطنيه، من خلال تجارته مع الهند، مختلف حاجاتهم المعيشية والتموينية خلال سنوات الحرب العالمية الأولى الصعبة. وأنفق مما أفاء الله عليه من خيراته على أوجه البر والإحسان، فقام في عام 1907 ببناء «مسجد الصقر» بفريج الخرافي، وتبرع في عام 1913 بجزء من الأرض التي أقيم عليها «المستشفى الأمريكاني»، وساهم بالتبرع المالي في بناء سور الكويت الثالث سنة 1920، وساهم مساهمة كبيرة بالمال في تأسيس «المدرسة الأحمدية» عام 1921، وراح يستجيب بأريحية لطلبات التسليف التي انهالت عليه من نواخذة وبحارة الغوص، لتدبير أمورهم المعيشية القاسية آنذاك.

وبهذه الأعمال وغيرها، برز في وطنه الكويتي، كواحد من أصحاب المكانة والرأي والمشورة والتقدير والاحترام لدى حكام البلاد من آل صباح، كما نظر إليه مواطنوه كواحد من ذوي الحكمة والبصيرة والخبرة. وحينما توفي حاكم الكويت التاسع، الشيخ سالم المبارك الصباح في 23 فبراير 1921، تولى الصقر قيادة وجهاء البلاد وأعيانها، لمبايعة الشيخ أحمد الجابر الصباح، حاكماً جديداً، بل وتحدث أمام الأخير باسم أهل الكويت، طالباً تأسيس مجلس للشورى، للمساعدة في إدارة دفة الحكم. وهو الطلب الذي استجاب له الشيخ أحمد الجابر في أبريل من نفس العام، حينما تأسس أول مجلس للشورى في البلاد، عن طريق التعيين، وكان مكوناً من 12 عضواً من التجار والوجهاء (6 من منطقة شرق، ومثلهم من منطقة جبلة)، برئاسة الحاج حمد الصقر. لم يستمر هذا المجلس الأول من نوعه في تاريخ الكويت سوى شهرين، بسبب الخلافات التي دبت بين أعضائه، وكثرة المنازعات والشجار بينهم، وتغليب مصالحهم الشخصية، وبالتالي، فقدانهم لثقة الحاكم والمواطنين، الأمر الذي أدى إلى حل المجلس تلقائياً. وقبل أن ينتقل الأخير إلى جوار ربه في 8 يناير 1930، بمنزله، وهو يؤدي صلاة الفجر، كان الراحل قد غرس نبتة المشاركة في الحكم، التي نمت وأينعت خلال السنوات التالية، وصولاً إلى المجلس التشريعي الأول في سنة 1938، الذي ضم 14 نائباً منتخباً، برئاسة الشيخ عبد الله السالم الصباح. وتكريماً له، وتخليداً لذكراه، أطلقت الدولة على أحد شوارع العاصمة اسم «شارع حمد عبد الله الصقر».

من الأحداث الأخرى ذات الصلة بسيرة الحاج حمد الصقر، أن إحدى سفنه كانت تبحر في مياه شط العرب سنة 1914، فتعرضت لإطلاق نار من سفينة حربية بريطانية، بسبب رفعها العلم العثماني المستخدم آنذاك. وبسبب هذه الحادثة، وتفادياً لتكرارها، تم الاتفاق بين حاكم الكويت والمقيم البريطاني، على أن يكون للكويت علمها الخاص.

تزوج الحاج حمد الصقر من ثلاث نساء (سبيكة بنت محمد السميط، وشيخة بنت السيد فايز الرفاعي، وفاطمة بنت الحاج سليمان عبد الله البسام، ابنة وكيله التجاري في عدن)، فرزق من الأولى بابنتين، هما شاهة وفاطمة، ورزق من الثانية بعبد الله وعبد العزيز ومحمد وجاسم وعبد الوهاب وطيبة ونورة ومنيرة، ولم يرزق بأبناء من الثالثة.

ابنه الأكبر هو «عبد الله حمد عبد الله الصقر»، الذي تولى بعد وفاة والده إدارة الممتلكات العقارية والزراعية للعائلة في البصرة والفاو وما جاورها. ولد عبد الله في عام 1910، بحي الجبلة، وتوفي في عام 1974، وانشغل خلال حياته بالإدارة والسياسة والتجارة والثقافة، فكان عضواً في أول مجلس للمعارف تشكل سنة 1936، كما دخل انتخابات المجلس التشريعي الأول سنة 1938، وانتخابات المجلس التشريعي الثاني سنة 1939، وفاز بهما. وما بين هذا وذاك، كانت له مساهمات في النهضة الاقتصادية والثقافية للكويت، من خلال تأسيس عدد من الشركات، والانغماس في أنشطة شبكة من المنظمات والأندية والجمعيات ذات التوجه العروبي القومي في النصف الأول من القرن 20. درس عبد الله في مدارس الكويت، ثم ألحقه والده بثانوية سانت ماري البريطانية في بومباي، ومن ثم ابتعثه إلى عدن ليتدرب على النشاط التجاري في مكاتب التاجر الكويتي خالد عبد اللطيف الحمد، فتنقل بين موانئ اليمن والصومال، وتأثر هناك بالميول القومية.

ابنه الثاني «عبد العزيز حمد عبد الله الصقر». ولد في الحي القبلي سنة 1912، ودرس في المدرسة المباركية والمدرسة الأحمدية، ثم أرسله والده إلى كراتشي برفقة ابن عمته محمد ثنيان الغانم، الذي كان يقوم هناك بإدارة أعمال خاله حمد الصقر. وفي كراتشي درس الإنجليزية لمدة نصف عام، على يد المدرس الفلسطيني عبد الرؤوف النابلسي، ومنها انتقل إلى بومباي سنة 1922، حيث أقام لدى عائلة الفضل السعودية، وتعلم الأوردية، وأكمل دراسته بمدرسة «سانت ماري» الثانوية البريطانية. لاحقاً، انتقل إلى «بوربندر» بولاية كوجرات الهندية، برفقة التاجر محمد عبد الله السعد المليفي، الذي دربه هناك لمدة عامين على الأعمال التجارية، كي يتولى إدارة أعمال أبيه في الهند، في مجال تسويق تمور وتصدير البضائع الهندية. واستمر على هذه الحال، يقيم تسعة أشهر من السنة في الهند، والباقي في الكويت، حتى عام 1930، الذي شهد وفاة أبيه، وانتقال إدارة تجارة العائلة في الهند إليه رسمياً، فأدارها باقتدار من مدينة بوربندر، التي بقي مقيماً بها 30 عاماً تقريباً، وذلك بمساعدة عدد من الوكلاء، مثل: إبراهيم عبد الله الفضل في بومباي، وصالح عبد الله الفضل في كراتشي، ومحمد عبد الله السعد المليفي في بوربندر، ومحمد ثنيان الغانم في براوه.

وفي عام 1951، عاد إلى الكويت، فكان أحد آخر الكويتيين العائدين من الإقامة الطويلة بالهند. وبعد عودته، شارك في تأسيس عدد من الشركات الكويتية، مثل: شركة ناقلات النفط في 1957، وشركة الخطوط الجوية الكويتية في 1954. ثم صار رئيساً لمجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الكويت، من 1958 إلى 1996، ورئيساً لمجلس إدارة بنك الكويت الوطني في 1959، وكان عضواً مؤسساً في مجلس إدارة شركة السينما الكويتية، من 1957 إلى 1960. إلى ذلك، مارس العمل السياسي، فانتخب عضواً ثم نائباً في المجلس التأسيسي المكلف بإعداد دستور الكويت المستقلة عام 1962، كما عُين كأول وزير للصحة في أول حكومة، ورئيساً لأول مجلس أمة منتخب بعد الاستقلال في عام 1962، وتوفي في عام 2005.

ابنه الثالث هو «جاسم حمد عبد الله الصقر»، وهذا ولد عام 1918 في حي الجبلة أيضاً، وتلقى تعليمه الأولي بمدارس الكويت الأهلية والحكومية، قبل أن يقترح عليه أخوه عبد الله السفر إلى البصرة، لنيل الشهادات الابتدائية والمتوسطة، ثم الثانوية، التي نالها في 1939، وبسبب حبه للعلم، أراد مواصلة دراسته الجامعية بجامعة فؤاد الأول المصرية بالقاهرة، لكن ظروف الحرب العالمية الثانية حالت دون ذلك، فدرس الحقوق في جامعة بغداد، وتخرج عام 1943، ليصبح أول خريج جامعي وقانوني في تاريخ بلاده.

بعد تخرجه تفرغ لإدارة أعمال عائلته التجارية في البصرة حتى عام 1959، الذي عاد فيه إلى الكويت، ليسهم في نهضتها من خلال عضويته في العديد من المؤسسات والهيئات العامة والخاصة، مثل: المجلس الأعلى للتخطيط، والشركة الأهلية للتأمين، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية، وشركة البترول الوطنية، ومجلس إدارة جامعة الكويت، وجمعية القلب الكويتية، ولجنة الدفاع عن فلسطين، ومجلس إدارة بنك الكويت الوطني. كما شغل لمدة 15 عاماً منصب القنصل الفخري للسويد بالكويت، وترأس في عام 1990 لجنة صياغة مقررات مؤتمر جدة الشعبي، إبان الغزو العراقي للكويت، وتولى رئاسة مجلس إدارة جريدة القبس. وشهد عام 1972 حصوله للمرة الأولى على عضوية مجلس الأمة كنائب منتخب، ثم انتخب مجدداً في مجلس 1981، وفي المرتين لعب دوراً هاماً، من خلال ترؤس لجنة المجلس التشريعية، ولجنة الشؤون الخارجية على التوالي. وفي 17 سبتمبر 2006، انتقل إلى رحمة الله.

Email