المرجو الإسرائيلي والمطلوب الفلسطيني

ت + ت - الحجم الطبيعي

«يجب على إسرائيل وضع خطة دقيقة لحماية المدنيين في حال قيامها بهجوم كبير على مدينة رفح» الفلسطينية، هذا ما أكده الرئيس الأمريكي جو بايدن الاثنين خلال مؤتمر صحفي مشترك مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.

واعتبر عديد المراقبين أنّ هذا الموقف الأمريكي، هو ضغط إضافي تمارسه إدارة بايدن من أجل حمل دولة الاحتلال على عدم استهداف المدنيين، لكن الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل أكد في تعليق له على تصريحات بايدن، أنّ «من يريد وقف الحرب، عليه أن يوقف مدّ إسرائيل بالأسلحة»، مشككاً بذلك في جدوى هذه المواقف على التطورات الميدانية على الأرض وفي مدى تأثيرها الإيجابي على حماية المدنيين الفلسطينيين.

ويبدو أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين ناتنياهو مصرّ على المضيّ قُدُماً في تنفيذ أهدافه وسياساته وذلك بإطالة أمد العدوان على قطاع غزة المحاصر من أجل تحرير المحتجزين الإسرائيليين والقضاء على كل أشكال المقاومة وفرض التهجير القسري كأمر واقع من جهة، ومن ناحية أخرى، زعزعة الاستقرار في الضفة الغربية المحتلة بدعم سياسة الاعتداءات الممنهجة للمستوطنين، وذلك إمعاناً في إذلال الفلسطينيين ومزيد إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية.

ولا يخفى على أحد الطابع الشخصي لسياسة ناتنياهو الذي يريد البقاء في الحُكْمِ وتجنّب المحاسبة رغم أنّه نجح في تغليف كل ذلك بهدف آخر استراتيجي يجمع الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين، وهو تصفية القضية الفلسطينية والانتهاء من الوجود الفلسطيني في الضفة والقطاع وكذلك الإغلاق النهائي لملف عودة اللاجئين من خلال استهداف «الأونروا» وقطع التمويل عنها وحرمان ملايين الفلسطينيين من خدماتها الأساسية، وبالتالي فتح باب توطينهم في أماكن وجودهم وسدّ كل إمكانية رجوع محتمل إلى أراضيهم المحتلة ودفن حق عودة اللاجئين نهائياً.

ولا مناص من الإقرار بأنّ الولايات المتّحدة الأمريكية وعدداً من الدول الغربية لا تعارض هذا التوجّه العام رغم إعلاناتها المتكررة بتبنّي حل الدولتين، ويتأكد هذا المنحى أولاً، من خلال رفض أمريكا وهذه الدول، الضغط باتجاه الوقف التام لإطلاق النار كسبيل وحيد لحماية المدنيين الفلسطينيين وتمكينهم من الغذاء والخدمات الصحية والإغاثية ومجمل الخدمات الأساسية الأخرى، وثانياً، المسارعة بقطع التمويل عن «الأونروا» استناداً إلى رواية إسرائيلية تتهم فيها المنظمة الأممية بالضلوع في عملية «طوفان الأقصى» وهي رواية لم يؤكدها تحقيق مستقل.

ويتعاظم الاقتناع لدى الفلسطينيين بأنّ تمادي إسرائيل في عدوانها مردّه تمكّن ناتنياهو من استغلال تناقضات الداخل الأوروبي والأمريكي التي تمنع هذه الأطراف من اتخاذ قرارات حاسمة لوقف الجبروت الإسرائيلي الذي يعصف بالوجود الفلسطيني وبالاستقرار في المنطقة.

ورغم أنّ التداعيات الإنسانية حرّكت بعض الشيء قوى السلام في هذه الدول إلّا أنّ هذا الحراك لم يصل إلى إحداث تغييرات جدية في مواقف دولها وحكوماتها من النزاع في فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط عموماً. وإنّ ضرب إسرائيل عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية وبمقتضيات القانون الدولي الإنساني، وحتى بمخرجات القضاء الدولي لمحكمة لاهاي في ضوء العجز التام من كلّ الأطراف على فرض تقيّدها بالمشترك من القيم والمبادئ الإنسانية، يلقى أساسه في تغلغل الفكر المغالي المتطرف المبني على الخرافة الصهيونية التقليدية داخل المجتمع الإسرائيلي، الذي قد يكون غذّته الطروحات المؤسسة على الحق التاريخي في كامل فلسطين في الطرف المقابل.

وبديهي أنّ العدوان الإسرائيلي المستمر على الشعب والحق الفلسطينيين يلقى تبريره أولاً وأساساً في النزوع «الفطري» لدولة الاحتلال إلى تكريس احتلال الأرض الفلسطينية باعتبار ذلك «حقاً مقدساً»، ولكنّ شواهد التاريخ أظهرت كذلك أنّه «فِكْرٌ» ينتعش في وجود خطاب فلسطيني لا يعترف هو الآخر بالشرعية الدولية على جورها في الحقّ التاريخي لآخر الشعوب على الأرض التي ترزح تحت نير أبشع أشكال الاستعمار الاستيطاني، وهو خطاب أحكمت الدعاية الإسرائيلية توظيفه واستغلاله بما يخدم مصالحها الاستعمارية والاستيطانية. إنّ الوصفة «السحرية» لوضع إسرائيل في الزاوية هي الاحتكام إلى الشرعية الدولية التي تؤمّن جزءاً من الحق الفلسطيني التاريخي ولا تمنع المطالبة بالباقي باعتبار ذلك ينخرط في حق تقرير المصير الذي تقرّه القوانين والشرائع الدولية، وما عدا ذلك فهو مساهمة، بحسن نيّة أو بسوئها، في تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد، وإنّ أخطر خطاب تخشاه إسرائيل هو خطاب السلام لأنّه يمكّنها من دولة لا تمتلك شروط الدوام.

 

Email