فلسطين.. التصفية قطرة قطرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وعدد آخر من الدول الغربية قرار تعليق تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى «الأونروا».

وذلك على خلفية رواية إسرائيلية لم يتمّ إثباتها بتحقيق رسمي ومستقلّ، تتّهم فيها بعض موظفي الوكالة بالمشاركة في عملية 7 أكتوبر الماضي.

وجاء الإعلان عن وقف التمويل بعد ساعات من قرار محكمة العدل الدولية الذي يضع حجر الأساس لإدانة إسرائيل باقتراف عملية إبادة جماعية ضدّ الفلسطينيين في الضفة والقطاع.

وطالب رئيس وكالة «أونروا»، المفوض العام فيليب لازاريني، الدول المعنية بإعادة النظر في تعليق تمويلها للوكالة.

وقال لازاريني: «إنه لأمر صادم أن نرى تعليق أموال الوكالة كردّ فعل على مزاعم ضدّ مجموعة صغيرة من الموظفين، خاصة في ضوء الإجراء الفوري الذي اتخذته «الأونروا» بإنهاء عقودهم والمطالبة بإجراء تحقيق مستقل وشفاف».

ويتمّ تمويل «الأونروا» بشكل كامل تقريباً من خلال التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

وكان جيش إسرائيل ذكر السبت الماضي في بيان لشبكة «سي إن إن» الأمريكية، أنّ بحوزتهم ما يفيد «إدانة العديد من موظفي الأونروا لتورطهم المزعوم في هجمات 7 أكتوبر، إلى جانب أدلّة تشير إلى استخدام منشآت الأونروا لأغراض إرهابية».

ولم تنشر الحكومة الإسرائيلية، بالطبع، تفاصيل الأدلة المتعلقة بالتورط المزعوم. ولكن مجرّد إعلانها ذلك حرّك كلّ داعميها في اتّجاه قرار تعليق تمويل الوكالة.

وأنشئت هذه الوكالة الدولية في 8 ديسمبر 1949، ومهمتها تزويد اللاجئين الفلسطينيين بالخدمات الأساسية، وقد تأسّست بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتّحدة رقم 302، وهي وكالة مخصصة ومؤقتة، وتجدد ولايتها كلّ ثلاث سنوات لغاية إيجاد حلّ عادل للقضية الفلسطينية.

و«الأونروا» هي بالأساس وكالة غوث وتنمية بشرية تعمل على تقديم الدعم والحماية وكسب التأييد لحوالي 5.6 ملايين لاجئ فلسطيني لديها في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة، إلى أن يتمّ إيجاد حلّ لمعاناتهم، وتقوم الوكالة على المبادئ المتعلقة بالإنسانية والحيادية والاستقلالية وعدم التحيز، وتعتبر هذه القيم مرجعية جميع عمليات «الأونروا».

وتشتمل خدماتها على التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي والإقراض الصغير وتغطية بعض الطوارئ بما في ذلك في أوقات النزاع المسلح، وتقدم «الأونروا» المساعدة والحماية وكسب التأييد للاجئي فلسطين، وقد يكون من المهمّ التأكيد على أنّ الخدمات الصحّية التي تقدّمها «الأونروا» تشمل عمليات التطعيم ضدّ عشرة أمراض.

وتقتصر مسؤولية «الأونروا» على توفير خدمات لمجموعة واحدة من اللاجئين وهم الفلسطينيون المقيمون في مناطق عملياتها، عكس المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التي لها ولاية عامة على عموم اللاجئين في مختلف أنحاء العالم.

ووفق «أونروا» فإنّ اللاجئين هم أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين يونيو 1946 ومايو 1948، والذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة حرب عام 1948.

ومن شأن تعليق تمويل «أونروا» أن يحدّ بشكل كبير من مجال نشاطها في قطاع غزّة والضفة الغربية وفي كلّ المخيمات ومراكز الإيواء داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها، وهو الأمر الذي ستكون له تداعيات إنسانية كبيرة تزيد في حدّة وحجم المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون جرّاء العدوان الإسرائيلي المستمرّ على الضفة الغربية والقطاع.

إنّ التداعيات الإنسانية لتعليق تمويل «أونروا» بديهية وجليّة بحكم طبيعة النشاط الميداني للوكالة وبحُكْمِ أنّها المنظمة الإغاثية الوحيدة العاملة في غزة، ولكن التداعيات السياسية هي أخطر؛ لأنّها قد تهدّد حقّ اللاجئين في العودة إلى ديارهم وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.

إنّ الثابت أنّ إسرائيل مصمّمة على تصفية القضية الفلسطينية بصفة نهائية، وهي تستغلّ كل ما يتاح لها من فرص كي تتقدّم خطوة في اتجاه تحقيق أهدافها، بدءاً بتضييق الخناق على الشعب الفلسطيني، ووصولاً إلى «تخييره» بين إبادة جماعية تنفّذ على الأرض، أو التهجير القسري خارج فلسطين.

Email