المشهد السياسي في تايوان

ت + ت - الحجم الطبيعي

بمجرد أن حددت لجنة الانتخابات المركزية في تايوان يوم 12 يناير 2024 موعداً لإجراء انتخاب رئيس ونائب رئيس جديدين للبلاد، اتجهت أنظار المراقبين إلى هذا البلد المعزول دولياً لرصد مشهده السياسي قبل إجراء الانتخابات المذكورة التي يمكن أن تؤثر في الجغرافيا السياسية العالمية لسنوات مقبلة، وتحدد نتائجها مصير علاقات البلاد مع بكين التي تعتبرها جزءاً لا يتجزأ من أراضيها وتطالب باستعادتها، بل أصبحت بؤرة توتر قوية في العلاقات الأمريكية ــ الصينية ومصدراً لقلق دول العالم.

ولعل ما أغرى المراقبين أكثر لمتابعة المشهد التايواني هو أن انتخابات رئاسة البلديات والمقاطعات التي جرت هناك هذا الشهر أسفرت عن فوز حزب الكومينتانغ المعارض بحصوله على 13 مقعداً من أصل 21 جرى التنافس عليها بما فيها مقعد العاصمة تايبيه.

وأدت هذه الهزيمة للحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم إلى استقالة السيدة «تساي إينغ وين» (تترأس تايوان منذ عام 2016) من منصبها كزعيمة للحزب، اعترافاً بفشل مخططاتها لتصوير الانتخابات المحلية كورقة تخويل شعبي للمضي قدماً في سياساتها المناوئة لبكين.

والمعروف أن حزب الكومينتانغ، الذي استقطع تايوان من السيادة الصينية بقيادة الماريشال «تشيانغ كاي شيك» سنة 1949 وأقام عليها دولة مزدهرة منفصلة وأدارها بكفاءة على مدى عقود صار اليوم، في مفارقة غريبة، يدعم إقامة علاقات وثيقة مع الصين.

والمعروف أيضاً أن الكومينتانغ تراجعت حظوظه في العودة مجدداً إلى الحكم منذ خسارته انتخابات عام 2020 الرئاسية، بل وفشل في أربعة استفتاءات أجراها لإظهار عدم ثقة التايوانيين في الحزب الحاكم. لكنه يحاول اليوم أن يفوز في انتخابات العام المقبل عبر عقد تحالفات مع الحزب المعارض الآخر وهو «حزب الشعب التايواني» برئاسة «كو وين جي».

وعلى الرغم من أن الحزبين المعارضين الرئيسيين اتفقا على توحيد جهودهما لإخراج الحزب الحاكم من السلطة عبر تنظيم حملات مشتركة، بدعوى أن بقاء الأخير في السلطة سوف يزيد من مخاطر نشوب حرب مع الصين، وأن فوزهما هو وحده الذي سيضمن السلام في مضيق تايوان، إلا أن اختلافهما في الكثير من التفاصيل قد يعجل بانهيار ما اتفقا عليه، بل أن هذا ما حدث فعلاً في الأسبوع الماضي حينما اختلفا حول تحديد مرشحهما لخوض السباق الرئاسي القادم أمام مرشح الحزب الحاكم نائب الرئيس «لاي تشينغ تي»، علماً بأن مرشح الكومينتانغ هو عمدة تايبيه الجديد «هو يو إيه» بينما مرشح حزب الشعب هو رئيسه «كو وين جي».

في الأثناء واصلت بكين مناوراتها العسكرية المعتادة في مضيق تايوان من باب الضغط على المشهد السياسي وترجيح كفة دعاة السلام والتعاون معها على دعاة الاستقلال. وفي الوقت نفسه لم تخف بكين تشجيعها لحزبي المعارضة الرئيسيين في تايوان على التحالف والاتفاق على مرشح قوي واحد.

وبينما راحت الخلافات تزداد في معسكر المعارضة ويحتد الجدل حول الشخصية الأجدر بخوض معركة الرئاسة القادمة ونسبة تفوقها في استطلاعات الرأي، كان الحزب الحاكم يزداد تفاؤلاً بفوز يبقيه في السلطة.

فالأخير لم يحدد فقط مرشحه للرئاسة وإنما حدد أيضاً من سيرافقه على البطاقة الانتخابية كمرشح لمنصب نائب الرئيس، حيث اختار «هسياو بي كيم» ممثلة تايوان لدى الولايات المتحدة المستقيلة حديثاً من منصبها كمرشحة لنيابة الرئاسة.

وهذه السيدة المولودة في اليابان عام 1971 من أب تايواني وأم أمريكية، لطالما أثارت قادة البر الصيني بمواقفها المضادة لبكين إلى درجة أن المتحدث باسم مكتب شؤون تايوان التابع لمجلس الدولة الصيني وصفها في أغسطس 2022 بالشخصية المستفزة التي سيحاسبها التاريخ، متهماً إياها بالسعي لاستقلال تايوان وتحريض شخصيات سياسية أمريكية على زيارة تايبيه وتأييد شراء أسلحة أمريكية للقوات التايواتية، مضيفاً: «إن نهاية أي شخص يخون المصالح الوطنية وينخرط في الأنشطة الانفصالية الساعية لما يسمى (استقلال تايوان) لن تكون جيدة».

ويخشى المراقبون أن تتبنى تايبيه، بوجود شخصية مثل هذه السيدة في مراكز القرار الأعلى، سياسات استقلالية أكثر تطرفاً وهو ما قد يؤجج الوضع ويدفع بكين إلى استعادة تايوان بالقوة.

 

Email