هل تلجأ سيئول للهند لحل مأزقها؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

سعي الصين لتعزيز مواقعها أمام التكتلات الإقليمية التي تقودها واشنطن، بات يشكل قلقاً كبيراً لدى صناع القرار في عدد من العواصم الآسيوية الكبرى، لا سيما في سيئول التي تنظر حكومتها إلى التحركات الصينية في المياه المشاطئة لشبه الجزيرة الكورية، كمهدد لاستقرارها، خصوصاً في ظل التحالف المزدهر بين بكين وموسكو وبيونغيانغ.

غير أن سيئول تشعر في الوقت نفسه بأنها مقيدة بعوامل اقتصادية، تحد من قدرتها على التحرك بشكل علني ضد الطموحات الصينية.

وبعبارة أخرى، فإن صعود الصين كشريك تجاري رئيس لكوريا الجنوبية، ولّد شبكة من الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين البلدين، تستغله بكين ببراعة لشراء صمت سيئول، الأمر الذي جعل الأخيرة تشعر بأنها مقيدة اليدين أمام الضغوط الناشئة في منطقة تشهد تنافساً جيوسياسياً حاداً، كمنطقة المحيطين الهندي/ الباسيفيكي.

والمعروف أن الصين تعمل علانية على تحجيم النفوذ الأمريكي في هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة، فيما تعمل كوريا الجنوبية واليابان والهند، بالمقابل، بصور فردية وجماعية حذرة على تعزيز أجهزتها الأمنية والعسكرية، من أجل التصدي لمخططات العملاق الصيني.

وهنا نجد واشنطن تلعب دوراً ضاغطاً في هذا الاتجاه، محوره أن تسهم الهند، بما لها من خصومات وعداوات تاريخية مع الصين في تمكين كوريا الجنوبية أمنياً وعسكرياً، لمواجهة أي خطط صينية تهدد أمنها واستقرارها، خصوصاً أن للهند قوة بحرية لا يستهان بها، بل إن من مصلحتها كقطب آسيوي منافس يؤرقه الصعود الصيني، أن تقوم بهذا الدور.

لقد برزت الهند في السنوات الأخيرة كلاعب إقليمي مهموم باستتباب الأمن والاستقرار في آسيا والمحيطين الهندي والهادئ، وبالتالي، فهي على استعداد للعب أدوار إقليمية على صعيد إعادة ترتيب موازين القوى في آسيا، مثل الاضطلاع بدور محوري في تعزيز صمود سيئول أمام غريمتها الصينية، خصوصاً أن الهند تتمتع بموقع استراتيجي ونمو اقتصادي متصاعد، وقدرة على تأسيس نهج شامل متعدد الأوجه.

وغني عن البيان أن صناع القرار في نيودلهي، ينظرون إلى أن أي اختلال في موازين القوى في شبه الجزيرة الكورية وما جاورها، ستكون له تداعيات خطيرة على أمن واستقرار المحيط الهندي الأوسع. أخذاً في الاعتبار لهذه المعطيات، وآملاً في تحرير كوريا الجنوبية من القيود الاقتصادية والتجارية الصينية، وبالتالي، تمكينها لمواجهة العملاق الصيني، فإن مهمة الهند الأولى، هي صياغة استراتيجية اقتصادية وأمنية شاملة كفيلة بالحفاظ على الوضع الراهن في شبه الجزيرة الكورية، بمعنى خلق حالة جديدة يكون فيها اعتماد سيئول على بكين أقل، واعتمادها على نيودلهي أكثر في المجالات التجارية والاستثمارية.

وهذا، بطبيعة الحال، يتطلب قيام الهند بخلق حوافز تصديرية خاصة بالمنتجات الكورية الجنوبية إلى الأسواق الهندية، وزيادة وارداتها التكنولوجية من كوريا الجنوبية، وتشجيع المصنع الكوري الجنوبي على الاعتماد أكثر على المواد الخام الهندية، خصوصاً في ظل توجه ناشئ متصاعد لدى بعض الشركات الكورية الجنوبية للانتقال بعيداً عن الصين لأسباب جيوسياسية واقتصادية متنوعة، وهو توجه لا يحد منه سوى التكلفة المرتفعة لمثل هذا الانتقال. ولهذا، فإن مقترحاً مثل مبادرة الهند، إلى تقديم حوافز وامتيازات خاصة لتسهيل انتقال الشركات الكورية الجنوبية من البر الصيني إلى مواقع بديلة في الهند، يعد مقترحاً جديراً بالتفكير والاهتمام.

ويرى بعض المراقبين مثل الباحث الهندي «لاكفيندر سينغ»، الذي كتب دراسة مطولة في هذا الشأن، أن مثل هذه الخطوات الهندية يجب أن يصاحبها تعاون عسكري وأمني أكبر بين سيئول ونيودلهي، وذلك من منطلق أن الهند بإمكانها تقديم خدمات أمنية وعسكرية واستخباراتية وتدريبية وتقنية وسيبرانية للجيش الكوري الجنوبي بصورة أوسع وأسرع من تلك التي يحصل عليها الأخير من الأمريكان، بموجب المعاهدات الدفاعية المشتركة.

كما أن خبرة الهند الناجحة في مكافحة القرصنة في مياه المحيط الهندي قد تكون مفيدة كثيراً، لضمان أمن الطرق البحرية التي تسلكها صادرات كوريا الجنوبية من مخاطر قرصنة كورية شمالية أو إعاقات صينية.

Email