غزة ومعايير النظام الدولي

ت + ت - الحجم الطبيعي

شاهد العالم ما يجري في غزة من دمار وقتل ومازالت الوتيرة تزداد يوماً بعد يوم، ولا توجد مؤشرات حتى الآن لإيقاف «وادي دم الأبرياء»، ما يحدث في غزة جريمة حرب واضحة حسب القوانين والأعراف الدولية وترفضها الإنسانية والفطرة السليمة، معظم دول العالم والغالبية العظمى من الشعوب نددت ورفضت ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة ، وطالبت بالوقف الفوري للتحركات الإسرائيلية وفتح الممرات الإنسانية بل وكسرها إن لزم الأمر.

ما نشاهده على أرض الواقع هو محاولة القضاء على شعب كامل أعزل محاصر بحجة القضاء على حركة «حماس»، شعب قتل منه خلال أيام معدودة الآلاف ودمرت المنازل والمستشفيات والبنى التحتية، وإضافة إلى كل ذلك أصبح أهالي غزة الذين يتجاوز عددهم 2.3 مليون نسمة يعانون من انعدام الأمن الغذائي بنسبة 100 %.

هذا حسب ما صرحت به مسؤولة في برنامج الأغذية العالمي، أي أنهم لا يملكون ولا يتوفر لهم الغذاء الكافي وسيعانون بالتالي من سوء التغذية وبالتالي سيصابون بالعديد من الأمراض.

أما في ما يخص المعاناة الفلسطينية بشكل عام وسكان غزة بشكل خاص كُتب الكثير وعُرض على الشاشات المشاهد الفظيعة وتألم العالم أجمع مما رأوا، لكنني هنا أود التطرق إلى المعايير الدولية أو إن شئنا تسميتها بالعالمية أو حتى ما يطلق عليها القيم الأممية «نسبة إلى منظمة الأمم المتحدة»، الواقع أثبت أكثر من مرة أنها ما هي إلا مصطلحات جميلة ومعانٍ راقية تلامس العواطف وتحقق مآرب للدول المسيطرة والمتحكمة بالنظام العالمي، أي أنها أصبحت أدوات ومبررات للتدخل أحياناً ولإعطاء صورة سلبية أحياناً أخرى للمخالف والمعارض لهم.

والتغاضي عنها في أحيان حسب المصلحة، الازدواجية في تطبيق المعايير والنظر للأحداث والحروب بشكل خاص من قبل الغرب يذكرني ببيت الشعر العربي الشهير «وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ... وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا».

ازدواجية المعايير الدولية أصبحت علنية وواضحة بل مستفزة لشعوب العالم و«الحكومات الإنسانية»، نحن مع تحقيق السلام العالمي ولا نرضى إزهاق روح إنسان في أي مكان في العالم مهما كان وبغض النظر عن جنسيته أو عرقه أو دينه أو لونه، بل نحن ندعو للحفاظ على حياة كل حيوان ونبات، رسخت فينا قيم المحبة والسلام والتعايش وتمنى الخير للآخرين.

لكن للأسف لو قمنا بمراجعة ومقارنة التصريحات الغربية في قضايا متشابهة لكن أطرافها مختلفون سنجدها تتعاطف وتتألم هناك وتغض الطرف ولا ترى هنا، فلو أخذنا مثالاً على ذلك التصريحات الأمريكية، ففي الحرب الروسية – الأوكرانية (نتمنى أن تتوقف هذه الحرب) ذكرت التصريحات أن الإدارة الأمريكية تراقب الوضع.

وما يحدث في الميدان ولديها من الأدلة ما يثبت أن ما يحصل يعتبر جريمة حرب، لكن في المقابل التصريحات عن ما يحدث في غزة منذ أكثر من 42 يوماً تكون غير واضحة أو لطيفة أو من الممكن أن نطلق عليها «التصريحات الرمادية»، حيث تذكر الإدارة الأمريكية أنهم ليسوا متأكدين أن الفلسطينيين يقولون الحقيقة عن عدد القتلى، لكنهم يعلمون بوجود أبرياء قتلوا وهذا هو ثمن الحرب.

الحقيقة والواقع يقولان إن تطبيق المعايير والقوانين والقواعد والأعراف الدولية يتم بشكل انتقائي، حسب المصالح الوطنية للقوى العظمى والكبرى المسيطرة على النظام العالمي الحالي، لذا لا بد من المراجعة الجادة الوقفة الحازمة لمراجعة وتقييم وضع وأداء منظمة الأمم المتحدة حتى لا تنهار.

وبما أن لنا في التاريخ عبرة ومن دروس الماضي فائدة ومن تجارب السابقين دروساً، علينا بمراجعة أسباب انهيار منظمة عصبة الأمم (المنظمة الدولية التي ورثتها منظمة الأمم المتحدة)، طبعاً هناك العديد من الأسباب لكن كان من أهمها هو عدم قدرتها على وقف العدوان على الدول.

ونذكر على سبيل المثال الهجوم الياباني على إقليم منشوريا الصيني، والهجوم الإيطالي على أثيوبيا وعدم قدرتها على منع حدوثه واندلاع الحرب العالمية الثانية، ونظراً لفشلها طالبت الدول الكبرى في تلك الفترة ومنها الولايات المتحدة بإنشاء منظمة دولية جديدة، وعليه تم تأسيس منظمة الأمم المتحدة التي لا تستطيع إيقاف الحروب والعدوان كسلفها عصبة الأمم، فهل ستكون النتيجة نفسها؟

Email