آسيا وحرب إسرائيل وحماس

ت + ت - الحجم الطبيعي

كلما حدثت واقعة سياسية في العالم العربي، انقسمت حكوماته وشعوبه إلى طرفين متضادين: طرف يحلل وينظر إلى الحدث بواقعية، ويبني مواقفه منه بعقلانية وحكمة، وآخر عاطفي يأخذه الحماس أو الانتماء الأيديولوجي بعيداً، فيلجأ إلى التهويل وتخوين الآخر، وترديد الشعارات العنترية.

حدث ذلك بصور متفاوتة، يوم أن غزا العراق الكويت، وإبان أحداث 11 سبتمبر 2001، وبُعيد التدخل الأمريكي في العراق، ووسط زوبعة الربيع العربي، وأخيراً ما حدث يوم 7 أكتوبر الجاري، حينما باشرت حركة «حماس» الفلسطينية المنشقة، ما أطلقت عليه تسمية «طوفان الأقصى». غير أننا هنا لسنا في وارد الحديث عن تلك الانقسامات العربية المعروفة، وإنما الحديث عن المواقف المتباينة لبعض الدول الآسيوية من عملية «حماس» الأخيرة والعمليات الإسرائيلية المضادة في غزة.

فاليابان، التي لا تربطها علاقة بحركة حماس ولا تعترف بها، شدد رئيس حكومتها «فوميو كيشيدا»، من خلال تغريدة، على ضرورة قيام جميع الأطراف المنخرطة في الصراع بضبط النفس، كما دعا «حماس» إلى إطلاق جميع الأسرى الإسرائيليين الذين تحتجزهم، مبدياً في الوقت نفسه تعاطفه مع أهالي غزة، وقلقه على خسائرهم الفادحة. ولاحقاً، أصدرت الخارجية اليابانية بياناً، أدانت فيه تسلل مسلحي «حماس» إلى الأراضي الإسرائيلية. وفي سيؤول، لم يكن الموقف الكوري الجنوبي مختلفاً عن الموقف الياباني.

أما الصين، التي تحاول أن تكون صاحبة كلمة في حل الأزمات الدولية والإقليمية، من خلال جهود الوساطة، على نحو ما فعلت في الخلاف السعودي ــ الإيراني، وفي الملف الروسي ــ الأوكراني، ومن قبل ذلك في سنة 2013، حينما قدمت مقترحاً من أربع نقاط لتسوية القضية الفلسطينية، فإن موقفها تلخص في القلق حيال التصعيد وأعمال العنف (دون استخدام مفردتي فلسطين أو إسرائيل كطرفين في النزاع، ودون الإتيان على ذكر فصائل فلسطينية بعينها)، والمطالبة بضبط النفس والهدوء، ووقف جميع الأعمال العنيفة، وضرورة ألا تتجمد عملية السلام في المنطقة.

وبهذا، وازنت بين علاقاتها الوطيدة مع إسرائيل وحاجتها الاقتصادية لها لتنفيذ مشروع «الحزام والطريق»، وبين علاقاتها مع منظمة التحرير الفلسطينية، التي اعترفت بها الصين عام 1988 كممثل شرعي وحيد للفلسطينيين، الذين بحسبها «تعرضوا لظلم تاريخي من المجتمع الدولي».

غير أن هذا الموقف الصيني ووجه برفض إسرائيلي. إذ صرح نائب رئيس البعثة الإسرائيلية في بكين «يوفال واكس»، قائلاً: إنَّ فشل الصين في إدانة عنف «الإرهابيين الذين يحتجزون الأطفال»، أمر مؤسف من دولة تربطها علاقات ودية بإسرائيل

. وأما مواقف دول منظومة آسيان، فقد كانت متباينة بشدة، ويمكن اعتبار ذلك انعكاساً لانقسامات مريرة داخل المنظمة بشأن العديد من القضايا، مثل: الموقف من التمدد الصيني في المياه والجزر المتنازع عليها، ومن النظام العسكري في بورما، ومن التحالف أمنياً وعسكرياً مع واشنطن.

فالفلبين التي لها جالية كبيرة تعمل في إسرائيل تقدر بحوالي مئة ألف شخص، وتربطها بتل أبيب 14 اتفاقية ثنائية، من بينها اتفاقيات دفاعية لشراء أنظمة مراقبة وصواريخ متطورة، وبرامج للتحديث والتدريب العسكري، أصدر قصرها الرئاسي بياناً، أدانت فيه الهجمات الفلسطينية الأخيرة ضد المدنيين الإسرائيليين، معربة عن «تعازيها لأولئك الذين فقدوا أفراداً من عائلاتهم وأحبائهم». وعلى العكس من الفلبين، أكدت ماليزيا، على لسان رئيس وزرائها أنور إبراهيم، تضامنها مع الفلسطينيين، دون إشارة إلى عملية «حماس» الأخيرة.

لاحقاً، أصدرت الخارجية الماليزية بياناً شديد اللهجة، أدانت فيه إسرائيل، ووصفتها بالمحتل «الذي أخضع الفلسطينيين لاحتلال غير قانوني طويل الأمد، وحصار ومعاناة ومصادرة أراضٍ وممتلكات دون هوادة»، مضيفة أنه «نتيجة لهذا الظلم، تمت التضحية بمئات الأرواح البريئة، وهو ما يدفع لإلقاء اللوم على إسرائيل». ولم يختلف موقف إندونيسيا، كبرى الديمقراطيات الإسلامية، عن موقف ماليزيا.

إذ شددت على ضرورة حل جذور الصراع في الشرق الأوسط، وفقاً للقرارات الدولية، كوسيلة لوقف العنف والعنف المضاد في المنطقة. أما تايلاند وفيتنام، فقد اتصف موقفاهما بالحياد، مع تأكيدهما على ضرورة صون المصالح المشروعة لطرفي النزاع، وحماية المدنيين بكل الوسائل.

 

Email