ينذر تباطؤ نمو الإقراض بخطر يتمثل في كبح محرك رئيس لأرباح كبرى المصارف الأمريكية عندما تشرع بإعلان تقارير أرباح الربع الثالث هذا الأسبوع. وقد عزز صافي إيرادات الفوائد، وهو الفرق بين ما تدفعه المصارف على الودائع وما تجنيه من ربح من القروض والأصول الأخرى، الأرباح خلال الـ18 شهراً الماضية لمصارف مثل «جيه بي مورغان تشيس» و«بنك أوف أمريكا» و«سيتي غروب».
واستفادت كبرى المصارف الأمريكية من فرض فوائد أعلى على القروض، بموازاة رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، دون زيادة الفائدة كثيراً على المدخرين.
وبينما سلّطت البيانات الأسبوعية الصادرة عن الاحتياطي الفيدرالي الضوء على استمرار نمو اقتراض المستهلكين عن طريق بطاقات الائتمان وإن كان بوتيرة أبطأ، فقد انخفض اقتراض الشركات خلال الأشهر الستة الماضية. ويلقي محللون باللوم في ذلك على الفوائد المرتفعة.
وقالت بيتسي غراسيك، المحللة المصرفية لدى «مورغان ستانلي»: «تباطأ نمو القروض على نحو بالغ»، وأضافت في مذكرة للعملاء الأسبوع الماضي: «نرى أن ضعف نمو القروض يقلل من نمو صافي إيرادات الفوائد حتى 2024».
ويشير محللو «مورغان ستانلي» إلى أن أكبر 25 مصرفاً أمريكياً من حيث الأصول شهدت نمواً بطيئاً للغاية للقروض منذ بداية العام لم يتجاوز 1.5 % على أساس سنوي، بعدما كان يسجل 8 %.
وصارت المصارف أكثر انتقائية في القروض التي تقدمها تحسّباً لفرض متطلبات أمريكية جديدة على كبرى المصارف، أو ما يعرف باسم معايير بازل 3 الجديدة، والتي قد تزيد من قدر رأس المال المخصص لاستيعاب الخسائر والذي سيتعيّن عليها الاحتفاظ به مقابل أصولها. وكانت «فايننشال تايمز» نشرت الأسبوع الماضي أن «جيه بي مورغان» سرّع وتيرة توريق مليارات الدولارات من محفظته للقروض تحسّباً للوائح الجديدة.
وقال جيسون غولدبيرغ، المحلل المصرفي لدى «باركليز»: «توقعوا الكثير من النقاشات في تقارير الأرباح حول معايير بازل 3 النهائية، من حيث التأثير المتوقع في ضوء المقترح الحالي، ثم ماهية التحركات التي تخطط المصارف للقيام بها لتقليل الزيادة المحتملة في الأصول المرجحة بالمخاطر».
وسيكون «جيه بي مورغان» و«سيتي» و«ويلز فارغو» الأوائل من بين الأربعة مصارف الأمريكية الكبرى من حيث الأصول إعلاناً للنتائج عن الأشهر الثلاثة حتى نهاية سبتمبر، وستكشف أرباحها 13 أكتوبر، فيما يعلن «بنك أوف أمريكا» نتائجه 17 أكتوبر.
وسيعلن مصرفا «غولدمان ساكس» و«مورغان ستانلي»، اللذان تميل أعمالهما أكثر نحو الخدمات المصرفية الاستثمارية والتداول وإدارة الأصول، يومي 17 و18 أكتوبر على الترتيب.
ويرجح محللون أن يكون «جيه بي مورغان» و«ويلز فارغو» هما الوحيدان اللذان يحققان ارتفاعاً للأرباح في الربع الثالث مقارنة بالعام الماضي، وفق بيانات جمعتها «بلومبرغ».
ومما يزيد من الضغط على أرباح المصارف، الضغوط لتقديم معدلات ادخار أعلى للعملاء للإبقاء على ودائعهم، وهي المصدر الرئيسي لتمويل المصارف. وجمعت مصارف كبرى، مثل «جيه بي مورغان» و«بنك أوف أمريكا»، مستويات قياسية من الودائع إبان الجائحة، لكنها أخذت تشهد تراجعاً في الـ18 شهراً الماضية، مع زيادة الفيدرالي للفائدة.
ورفعت كبرى البنوك الفوائد على القروض، لكنها لم تمرر فوائد أعلى للمدخرين، ما أسفر عن انخفاض معيار تكاليف القروض مقابل تغيرات معدلات الفائدة قصيرة الأجل.
وكشفت بيانات شركة «إنستيتيوت» للاستثمار، عن تلقي صناديق سوق النقد، التي بإمكانها أن تدر عائداً يزيد على 5 % للمستثمرين، نحو 64.1 مليار دولار خلال الأسبوع المنتهي 4 أكتوبر، ما دفع بإجمالي ما في القطاع إلى 5.7 تريليونات دولار.
وفي ضوء تزايد الإجماع على أن الفيدرالي سيثبت الفائدة عند مستويات مرتفعة لمدة أطول، يتوقع محللون رفع المصارف للفوائد التي تمنحها للمدخرين للإبقاء على ودائعهم. وأثّرت المخاوف على أسهم المصارف الأسبوع الماضي، التي تخلّفت عن المنحى الأوسع للسوق.
ويعتقد جون ماكدونالد، كبير محللي المصارف ذات رأس المال الكبير لدى «أوتونوموس ريسيرش»، بأن: «أداء أسهم المصارف في الوقت الحالي يعكس مخاوف تتعلق أكثر قليلاً بالربعين المقبلين».
وأضاف ماكدونالد: «تُرى كيف سيكون مسار رأس المال إذا ظلت الفوائد مرتفعة؟ وكيف سيكون أداء معيار تكاليف القروض مقابل تغيرات معدلات الفائدة قصيرة الأجل؟ وكيف سيكون شكل الضغوط على تكاليف التمويل؟ وكيف ستكون طبيعة الضغوط على رأس المال؟».
وستواجه المصارف تساؤلات حول كيفية تأثير أسعار الفائدة الآخذة في التصاعد على المستهلكين، الذين ينفقون من مدخراتهم التي راكموها أثناء الجائحة. يعني هذا أن خسائر القروض ظلت عند مستويات منخفضة قياسية، لكن المصارف كانت تحذر طيلة أشهر من أن الخسائر ستزداد.
ويتوقع محللون أن يشهد «جيه بي مورغان» و«بنك أوف أمريكا» و«سيتي» و«ويلز فارغو» زيادة في صافي القروض متعثرة السداد، وهي مجموعة القروض الخاسرة التي تُصنّف على أنها غير قابلة للاسترداد. وقال سكوت سيفرز، المحلل المصرفي لدى «بايبر ساندلر»: «في مرحلة ما، يُفترض أن يبدأ حتى أقوى المستهلكين في الاستسلام تحت ضغوط الفوائد المرتفعة».
وعلى صعيد الخدمات المصرفية الاستثمارية، يتوقع محللون انخفاض إيرادات «جيه بي مورغان» و«غولدمان ساكس» و«نك أوف أمريكا» و«مورغان ستانلي» و«سيتي» بنسبة 4 % في المتوسط خلال الربع الثالث. لكن هناك تفاؤلاً بأن النشاط ينتعش من جديد بعد تباطؤ دام لفترة مُطوّلة.
ويرجح محللون تحقيق «غولدمان ساكس» زيادة على أساس سنوي في رسوم الخدمات المصرفية الاستثمارية للمرة الأولى منذ نهاية 2021. يُتوقع أيضاً تراجع إيرادات الدخل الثابت وتداول الأسهم بواقع 5 % في المتوسط لدى المصارف الخمسة خلال الربع الثالث.
ويُرجح وقوع «غولدمان ساكس» تحت وطأة خسارة أكثر حدة، وسط تقديرات محللين بانخفاض إيراداته من تداولات الأسهم 15 % مقارنة بالعام الماضي، عندما استفاد المصرف من تقلبات الأسواق إثر رفع البنوك المركزية للفوائد.