الأيام ستكشف ما أخفاه التنين

ت + ت - الحجم الطبيعي

غاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن قمة العشرين، التي أنهت أعمالها 10 من هذا الشهر في العاصمة الهندية نيودلهي وكان غيابه مفهوماً، ولكن ما لم يكن مفهوماً هو غياب الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي لما غاب شغل غيابه الذين حضروا القمة والذين لم يحضروا.

وتساءل كثيرون عما إذا كان غياب شي سوف يؤثر على مستقبل العلاقات بين البلدين، وعما إذا كان ما بين الصين والهند سوف يخضع لمقتضيات هذا الغياب؟

فالرئيس الروسي غاب عن قمة البريكس التي انعقدت في جوهانسبرغ 22 أغسطس، ولكنه غاب لمبررات جرى إعلان بعضها، ولم يتم الكشف عن البعض الآخر، وسواء كان الغياب بسبب انشغاله بعمليته العسكرية في أوكرانيا، أو كان بسبب قرار المحكمة الجنائية الدولية في مارس من هذه السنة، فهو في النهاية وجد المبررات التي تستدعي عدم حضوره أعمال القمة.

ولكن الرئيس شي لم يكن عنده ما يبرر غيابه، ولأن الأمر كان كذلك فإن بورصة التخمينات انطلقت في كل اتجاه تفتش عن السبب.

هناك مَنْ قال إن التوترات الحدودية الصينية الهندية هي السبب، وأن الرئيس الصيني لم يشأ أن يحضر، فيجد نفسه مضطراً إلى التطرق لملف الحدود مع ناريندا مودي، رئيس وزراء الهند، الذي يولي الموضوع أهمية خاصة، والذي لم يشأ هو الآخر أن يدع الفرصة في جوهانسبرغ تمر، فجلس هناك مع شي يتحدثان في الأمر بصراحة على مائدة واحدة.

وهناك مَنْ قال إن علاقة الهند مع الولايات المتحدة الأمريكية كانت هي السبب، لأنه ليس سراً أن الهند أقرب إلى واشنطن منها إلى بكين، ولأن الأخيرة ترى في الولايات المتحدة خصماً لدوداً لها، ولأنه إذا كان هذا هو الحال بين الهند والولايات المتحدة، فمن الطبيعي أن تتعامل الصين مع الحكومة الهندية بتحفظ وحذر.

وهناك للمرة الثالثة مَنْ قال إن الهند منذ أن تفوقت على الصين في التعداد السكاني أبريل الماضي، وهي تسعى إلى الترويج للموضوع على أكثر من وجه، وتستعمله للإشارة إلى أن التفوق لن يكن في التعداد فقط، وأن هذا التفوق التعدادي سوف تكون له تجليات على مستوى وربما مستويات أخرى من التفوق في مستقبل الأيام.

وقد كانت البداية في هذا الاتجاه، عندما أطلقت الهند مركبة فضائية إلى القمر، بالتزامن مع انعقاد قمة بريكس، وما كادت المركبة تصل إلى القمر، وما كاد مودي يتلقى التهنئة على وصولها أثناء وجوده في جوهانسبرغ، حتى كانت أخبار أخرى قد جاءت عن صاروخ هندي جرى إطلاقه لاستكشاف الشمس.

كانت المركبة الفضائية جعلت من الهند رابع دولة في طابور الدول التي وصلت القمر، وكانت الدول الثلاث السابقة هي الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفييتي السابق، ثم الصين التي وصلته في 2019.

وهكذا يبدو كأن الهند تقتفي أثر الصين بهدف أن تسبقها، وهذا ربما ما جعل الرئيس شي يفكر في أمر حضور قمة العشرين، واضعاً أمامه هذا كله ومستعرضاً إياه، وفي النهاية رأى أن تخلفه عن الحضور هو الخيار الذي تدعوه إليه كل الظروف، وأن عليه أن يجلس ليفكر في أمر آخر يتعلق بما سوف ينتهي إليه هذا السباق الخفي بين البلدين.

ومن الوارد أن تكون كل هذه الأسباب أسباباً ثانوية، وأن يكون السبب الأساسي هو الممر الاقتصادي الذي اعتمدته قمة العشرين، والذي تراه الصين منافساً لمشروع «الحزام والطريق» الذي تتبناه منذ زمن.. ولأن الصينيين لم يكشفوا عن سبب الغياب، فسوف تتكفل الأيام وحدها بالكشف عنه ولو بعد حين.

Email