ضبابية بعد عودة تاكسين

ت + ت - الحجم الطبيعي

تداولت الأوساط الصحافية والدبلوماسية منذ أسابيع عدة، خبراً عن اجتماعات سرية عقدت في جزيرة لانكاو الماليزية بين ممثلين عن المؤسسة العسكرية الحاكمة في بانكوك والقصر الملكي التايلاندي ورئيس الوزراء الأسبق المتهم بالفساد والمقيم بمنفاه الاختياري في سنغافورة «تاكسين شيناواترا» بهدف حلحلة الوضع السياسي المتأزم في تايلاند والحيلولة دون خروجه عن السيطرة في أعقاب رفض جنرالات الجيش تسليم حزب «التحرك إلى الأمام» التقدمي، السلطة، وهو بقيادة الشاب «بيتا ليمجارونرات» الذي حصل على المركز الأول في انتخابات مايو المنصرم بحصوله على 151 مقعداً برلمانياً، متقدماً على حزب «بيوا تاي» المدعوم من تاكسين والذي يقوده قطب العقارات «سريتا تافيسين»، إذ حل الأخير في الترتيب الثاني بحصوله على 141 مقعداً.

ويبدو أن صفقة قد تم التوصل إليها بين الفرقاء ملخصها أن يعود المليادير تاكسين إلى بلاده بعد 15 عاماً قضاها في منفاه منذ الإطاحة به في انقلاب عسكري في سنة 2006، ليقضي عقوبة السنوات العشر التي أصدرتها محكمة عليا بحقه في ثلاث قضايا فساد منفصلة مع تخفيفها أو إلغائها بعفو ملكي بحجة اعتلال صحته، على أن يتزامن ذلك مع تسليم مرشحه سريتا تافيسين السلطة في البلاد، باحتسابه الحائز المركز الثاني في انتخابات مايو، وعلى أن يتعهد تاكسين بالولاء للنظام الملكي والتخلي عن شطحاته السابقة ضد الملكية.

ولعل ما يبرهن على هذه التسوية والبدء بتنفيذ بنودها، لتكون حلاً لإنهاء سنوات من حالة الانقسام والاستقطاب في البلاد ما بين فريقي القمصان الحمراء المؤيدين لتاكسين، والقمصان الصفراء المؤيدين للجيش والملكيين المحافظين، عودة تاكسين إلى بانكوك في 22 أغسطس في طائرته الخاصة وهو يزين معطفه بدبوس يحمل صورة الملك «ماها فاجيرالونغكورن»، بل مسارعته فور وصوله بالسجود أمام صورة لعاهل البلاد، قبل أن يقتاده ضباط الجيش إلى المحكمة تمهيداً لإيداعه السجن. حدث هذا في وقت كان البرلمان مجتمعاً لاختيار سريتا رئيساً جديداً للحكومة، علماً بأنه سارع بعيد اختياره بإطلاق تصريح تعهد فيه بعدم السعي لتعديل قانون المس بالذات الملكية، وهو موضوع يحظر التطرق إليه ويتشدد فيه جنرالات الجيش، على أنه لا يمكن التكهن بما ستؤول إليه الأمور، بمعنى هل ستؤدي الصفقة إلى حالة من الوئام والمصالحة الوطنية أم أنها ستزيد الانقسام والاستقطاب في ظل تذمر تايلانديين كثر من الطريقة التي أقصى بها العسكر مرشحهم «بيتا ليمجارونرات»، ناهيك عن احتمال غضب ذوي القمصان الحمراء من خذلان زعيمهم لهم بعقده صفقة مع جنرالات الجيش الذين أطاحوا رئيسين للوزراء من عائلة شيناواترا (تاكسين سنة 2006، وشقيقته ينغلوك سنة 2014)، وذلك على الرغم من تجمهر الكثيرين منهم في المطار لاستقبال تاكسين والتلويح له بالرايات الحمراء؟.

وبالمثل لا يمكن التكهن بنجاح أو فشل رئيس الحكومة الجديد في قيادة البلاد إلى بر الأمان وتوحيد الشعب ومعالجة أوضاعه الاقتصادية الصعبة الناجمة من محنة وباء كورونا، فالرجل طارئ على عالم السياسة ومتقدم في السن ولا يحظى بدعم برلماني قوي، ويواجه ملفات تثقل كاهل أي زعيم، دعك من العراقيل التي سيضعها حزب «التحرك إلى الأمام» وأنصاره من الشباب حتماً في طريقه سواء داخل البرلمان أو خارجه وهذا نوع من الانتقام لحزبه وللمؤسسة العسكرية التي فرضته، وخصوصاً أنه سيحكم عبر حكومة ائتلافية من 11 حزباً (ومن بينها حزب بالانغ براتشارات الممثل غير الرسمي لجنرالات الجيش) قد ينفرط عقدها عند حدوث خلافات في شأن الأولويات والمناصب والسياسات الداخلية والخارجية. وهناك أمر آخر قد يفسد مهمته أو يعقدها وهو وجود ادعاءات كثيرة تلاحقه بالتهرب الضريبي وعقد صفقات عقارية فاسدة في الماضي.

وبعض المراقبين تبنى طرحاً مفاده أن تاكسين، الذي أفسد الحياة السياسية التايلاندية بخطابه الشعبوي منذ توليه السلطة في سنة 2001 وطوال سنواته في المنفى عبر تحريك أنصاره من الخارج لإحداث الفتن والاضطرابات، لم يعقد صفقة مع خصومه إلا لكي يعود وينظم نفسه من جديد من أجل الانتقام وخلق قواعد جديدة للعبة السياسية، وأنه ليس جاداً في ادعاءاته بالولاء للملكية، وخصوصاً مع وجود مناهضين كثر للملكية في دائرته الداخلية ودوائره الخارجية من أولئك الذين لن يقبلوا أن يتحولوا فجأة إلى حماة للعرش.

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص

في الشأن الآسيوي

Email