حكايات أهل الفن

قصة أغنية «لا تكذبي» والتنافس في أدائها

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الغالب الأعم يلحن الموسيقار قصيدة ما كتبها شاعر أو كاتب غنائي ثم يختار أحد المطربين أو إحدى المطربات لأدائها ولكن هناك من يلحن عملاً ويختار المطرب أو المطربة ثم يؤديه بصوته أيضاً. وأكثر الملحنين الذين أقدموا على ذلك الموسيقار محمد عبدالوهاب إذ غنى بصوته أغاني «ست الحبايب» و«يا حبيبي يا خويا» لفايزة أحمد، و«أيظن» و«ساكن قصادي» و«شكل تاني» لنجاة الصغيرة، و«ماذا أقول؟» لطلال مداح، و«محلاها عيشة الفلاح» لاسمهان، و«يا جارة الوادي» لفيروز، وغيرها. وعلى المنوال نفسه سجل الموسيقار محمد الموجي بصوته مجموعة من أعماله الموسيقية التي غنتها أم كلثوم (مثل اسأل روحك وللصبر حدود) وعبدالحليم حافظ (مثل كامل الأوصاف وأحضان الحبايب وصافيني مرة) وفايزة أحمد (مثل أنا قلبي إليك ميال وغلطة واحدة). وفعل ذلك أيضاً الموسيقار رياض السنباطي في أغاني «الأطلال» و«عوت عيني» و«رباعيات الخيام» و«القلب يعشق كل جميل» ولكن ربما كانت أغنية «لا تكذبي» الوحيدة التي أدّاها ملحنها (محمد عبدالوهاب) بصوته وأدتها نجاة الصغيرة ومن ثم أدّاها عبدالحليم حافظ، وهو ما جعل التسجيلات الثلاثة محل مفاضلة من قبل الجمهور.

ولهذه الأغنية، التي أحدثت ضجة فنية وقت إطلاقها في سنة 1962م، قصة مفادها أن كاتبها الشاعر المصري ثقيل الوزن خفيف الدم كامل الشناوي كان هائماً بحب الفنانة نجاة الصغيرة بينما كانت الأخيرة غير مكترثة لأسباب منها فارق السن وفارق الوزن وربما انشغالها عاطفياً بغيره. ويقال إن الشناوي نظم القصيدة في مكتب الصحفي الكبير مصطفى أمين بعد شعوره بالإحباط من صدود وتمنع نجاة وعدم تجاوبها مع مشاعره، فراح يصف صدمة الحبيب حينما يعلم بأن المرأة التي يحبها تخونه عبر الهيام برجل آخر (لا تكذبي، إني رأيتكما معاً، ودعي البكاء فقد كرهت الأدمعا).

ويقال إن نجاة أعجبت بكلمات القصيدة، حينما اتصل بها الشناوي وقرأ لها النص، وقالت له: كويسة أوي.. تنفع أغنية.. لازم أغنيها، وخصوصاً أنها كانت مناسبة لقصة فيلم «الشموع السوداء» الذي كانت تقوم ببطولته آنذاك مع نجم الكرة المصرية اللاعب صالح سليم، كونها تتحدث عن الخيانة. وهكذا طلبت نجاة من محمد عبدالوهاب أن يلحن لها القصيدة فوافق ولا سيما أنه كان متعوداً تلحين مثل هذه القصائد بسهولة. وطبقاً لما ورد على لسان الشاعر الغنائي محمد حمزة في حوار مع مجلة «فن»، فإن بليغ حمدي كان ينوي تلحين الأغنية، ولكنه تراجع بعدما نما إلى علمه أن عبدالوهاب يلحنها لنجاة.

ومما قيل أيضاً إن الشناوي هو من طلب من عبدالوهاب تلحين القصيدة واختيار من يؤديها بمعرفته، وإن عبدالوهاب لحنها وسجلها بصوته على العود واختار صديقه وشريكه عبدالحليم حافظ ليقوم بغنائها من منطلق أن قصة القصيدة لا تتماشى إلا مع صوت رجالي. ويبدو أن عبدالوهاب تأخر في الإفراج عن اللحن فكانت من نصيب نجاة التي غنتها مصورة في فيلم «الشموع السوداء» بتكلفة 4000 جنيه.

ويقال إن عبدالوهاب اشترط على نجاة ألّا تؤدي الأغنية في حفل عام قبل غنائها في الفيلم الذي عرض أول مرة في 15 مايو 1962 بدار سينما قصر النيل بحضور عبدالوهاب شخصياً، ولكن نجاة استأذنت منه وغنتها قبل ذلك في حفل خيري خاص. ثم غنتها بعد الفيلم في حفل عام بمصاحبة فرقة أوركسترا كاملة بقيادة الموزع والمايسترو الموهوب علي إسماعيل، إذ تولت شركة صوت الفن المملوكة لعبدالوهاب تسجيلها من الحفل وطبعها على أسطوانات.

ما حدث بعد ذلك أن عبدالحليم حافظ قام بأداء الأغنية في حفل عام في سنة 1963، ما تسبب في خلافات بينه وبين نجاة التي شعرت بالاعتداء على حقوقها. أما عبدالوهاب فقد أداها على العود كاملة مع مقدمة موسيقية مختلفة إبان استضافة إذاعة (BBC) له ولكامل الشناوي في برنامج «من لندن فقط»، ثم سجلها، بعدما لاحظ إعجاب الجمهور بها، على أسطوانة عبر شركته الفنية.

Email