قمة «بريكس» والوجه السياسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك حالة ترقب لقمة مجموعة «بريكس» الخامسة عشرة التي ستعقد في الفترة من 22 حتى 24 من شهر أغسطس الحالي (أي بعد 3 أيام) في جنوب أفريقيا العضو الأحدث في هذا التجمع والتكتل الاقتصادي الذي يجمع معها كلاً من روسيا والصين والهند والبرازيل، وهذا الترقب نابع من أن القمة تحظى بمتابعة وأهمية بالغة لعدة أسباب منها الأسباب السياسية التي إن حاول بعضهم فصل الاقتصاد عن السياسة إلا أن الواقع يثبت أنهما لا ينفصلان.

فمن تلك الأسباب الظروف الدولية وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيراتها في دول العالم اقتصادياً من جانب، ومحاولات الاستقطاب الدولي التي تسعى لها أطراف الحرب المباشرون وغير المباشرين من جانب آخر.

وكذلك «التمرد الإفريقي» على الوجود الغربي «فرنسا» في القارة الإفريقية التي يرى الجيل الجديد من الأفارقة أن الغرب وفرنسا تحديداً استغلوا ثروات وخيرات إفريقيا واستفادوا منها وحرموا الدول والشعوب الإفريقية من التنمية وخيرات أرضهم التي يستحقونها، وكان آخر ردود الفعل والرفض الإفريقي للوجود الغربي انقلاب النيجر.

يقابل «التمرد الإفريقي» على الغرب «ترحيب إفريقي» بقوى كبرى ودول إقليمية للوجود والاستثمار والتعاون في القارة الإفريقية وعلى رأسها روسيا والصين، وقد استغلت الصين انشغال الغرب وانتشرت وتوغلت في القارة السمراء الغنية بمواردها وثرواتها، أما روسيا فاستغلت «الغضب الإفريقي» على الغرب وتقربت من إفريقيا وقادتها المرحبين بها وخاصة أن روسيا لا تهتم ولا ترفع شعارات ربما يعدّها القادة الأفارقة مستفزة أو تدخلاً في شؤونهم الداخلية كشعارات الديمقراطية والحرية.

أعلنت وأُسست «بريكس» لأهداف اقتصادية إذ تفيد التقارير الاقتصادية بأن دول بريكس تسهم بنحو 32% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، كما ذكر تقرير «ستار» أن هذه الدول مجتمعة تمثل 41% من مجموع سكان العالم، كما أنها تنتج ثلث حبوب العالم من الغذاء الأساسي لمعظم الشعوب.

وبما أنني من المؤمنين والمقتنعين بأن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة ولا يمكن أن ينفصلان بل يدعم كل منهما الآخر، وأن قوة الاقتصاد تمنح الدولة قوة ونفوذاً وتأثيراً سياسياً، كما أن الاقتصاد القوي يمنح الدول وخاصة الدول صاحبة المساحة الكبيرة والكثافة السكانية قوة عسكرية فبذلك يمنحها صفة الدولة الكبرى.

وإذا نظرنا إلى الدول المؤسسة لتجمع «بريكس» من الناحية السياسة فسنجد روسيا والصين من الدول الكبرى على المستوى العالمي ومن الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي أي أنها تتمتع بحق النقض «فيتو»، وهي دول رافضة للنظام العالمي ذي القطب الواحد وتسعى علناً لتغييره، أما بالنسبة للهند والبرازيل فهما كذلك من الدول الكبرى إقليمياً ولديهما الكثير من الموارد والثروات والقوى البشرية، وهذا جعلهما دولتين طموحتين وتبحثان عن مكان يناسبهما ويليق بهما في النظام العالمي، وهما كذلك تسعيان ليكون النظام العالمي متعدد الأقطاب، وقد ذكرت ذلك صراحة التصريحات الهندية ومنها بيان لوزارة الخارجية الهندية ذكرت فيه أنها ستقوم بدور مهم للعمل على تأسيس نظام عالمي حقيقي متعدد الأقطاب، كما وصف وزير الخارجية الهندي «بريكس» بأنه رمز للتغيير.

ومن هنا أرى أن تكتل «بريكس» بأعضائه الحاليين وأعضائه الجدد (23 دولة متقدمة بطلب الانضمام) والذين يملك معظمهم اقتصادات قوية وطموحات سياسية، سيسعون عبر هذا التكتل إلى تحويله مستقبلاً إلى (منظمة توازن سياسي واقتصادي) ضمن العلاقات الدولية، يتم عبره تخفيف الضغوط السياسية والاقتصادية على الدول، وفي حال نجاح «بريكس» ستتأثر ليس الدول الغربية فحسب، وإنما أيضاً الأمم المتحدة وخاصة البنك الدولي.

Email