المعروف أن المطربة والممثلة «بهيجة عبدالعال الحو» الشهيرة باسم هدى سلطان، تنتمي إلى أسرة ريفية كبيرة مكونة من 25 أخاً وأختاً أنجبهم والدها من 3 نساء. والمعروف أيضاً أنها هي وأخوها المطرب والممثل المتميز محمد فوزي عشقا الغناء والطرب منذ الصغر وكانا يغنيان في الموالد والحفلات الشعبية في مسقط رأسهما بقرية «أبوجندي» بمحافظة الغربية، رغم اعتراض أسرتهما. وحينما ترك محمد فوزي قريته متجهاً إلى القاهرة سنة 1938 بحثاً عن الشهرة والأضواء، لحقته أخته في أعقاب وفاة والديها وطلاقها من زوجها الأول الذي تزوجته في سن الرابعة عشرة بضغط من أبيها.
في القاهرة درست هدى على يد الملحن أحمد عبدالقادر، وسمعها الموسيقار رياض السنباطي وتنبأ لها بمستقبل باهر في عالم الغناء. وفي عام 1949 تقدمت لاجتياز اختبار لجنة اختيار المطربين بالإذاعة المصرية، فأعجبوا بصوتها الدافئ، وسرعان ما صارت من نجمات برنامج المذيع جلال معوض (أضواء المدينة). غير أن دخولها عالم الأضواء والشهرة ونجاحها المشهود أثار ضدها عائلتها التي طالبت بإهدار دمها، وكان في مقدمة المعارضين (ويا للعجب) أخوها فوزي الذي قاطعها لسنوات، بل رفض مقابلتها ورفض أيضاً طلب الفنان فريد شوقي الاقتران بها قائلاً: «أنا معنديش أخت اسمها هدى سلطان عشان تطلب إيدها». لاحقاً تصالح فوزي مع أخته هدى وعادت المياه إلى مجاريها وصارا يتعاونان فنياً ويظهران معاً في المناسبات الاجتماعية.
وفي عام 1950 أُعجب المنتج السينمائي جبرائيل نحاس بموهبة هدى سلطان، وأقنعها بأن تعمل في السينما ووقع معها عقد احتكار لثلاثة أفلام، لتظهر بعد ذلك في العديد من الأعمال السينمائية الخالدة في أدوار متنوعة تراوحت ما بين الفتاة اللعوب (فيلم امرأة على الطريق لعز الدين ذو الفقار)، والمرأة المسالمة (فيلم الشيخ حسن لحسين صدقي)، والزوجة الخائنة (فيلم نساء محرمات لمحمود ذو الفقار)، وبنت البلد المغلوب على أمرها (فيلم حكم القوي لحسن الإمام)، والفتاة الوطنية الكفيفة (فيلم بورسعيد لعزالدين ذو الفقار)، والمعلمة الشعبية (فيلم سواق نص الليل لنيازي مصطفى)، وغيرها من الأدوار الجميلة، خصوصاً تلك التي أدتها إلى جانب زوجها وحش الشاشة فريد شوقي في جملة من أفلام الخمسينات مثل «فتوات الحسينية» و«حميدو» و«جعلوني مجرماً» و«النمرود» و«الأسطى حسن» و«المحتال» و«عبيد الجسد» و«رصيف نمرة 5»، و«سوق السلاح»، و«أبو الدهب».
أما على صعيد الغناء فقد لحن لها الكثيرون، وفي مقدمتهم أخوها محمد فوزي ومنير مراد وعبدالعزيز محمود ورياض السنباطي ومحمود شريف. أما الموسيقار محمد عبدالوهاب، التي كانت تقابله باستمرار خلال زياراتها لأخيها محمد فوزي وزوجته مديحة يسري في عمارة الإيموبيليا، حيث كان عبدالوهاب يقيم في دورها الثاني، فقد لحن لها أغنية «أول ما جات عينيه في عينيه» ثم أغنية «رجع الهوى تاني»، كما أشركها ضمن من أدوا نشيد وطني الأكبر من ألحانه.
غير أن حدثاً وقع أثناء إحدى حفلات أضواء المدينة بمناسبة عيد الوحدة المصرية ــ السورية وتدشين مشروع السد العالي، جعلها تغضب منه وتقاطعه. وملخص الحكاية أنها قامت بتجهيز أغنية «يا ابن العم يا جمال يا منور أسوان الليلة» التي لحنها عبدالوهاب خصيصاً لها كي تؤديها في احتفالات السد العالي، لكن عبدالوهاب عرقل مهمتها في آخر لحظة لسبب ما، وطلب من نجاة الصغيرة أن تقوم هي بتأدية الأغنية، وهو ما جعل هدى في موقف لا تحسد عليه.
وعليه لم تجد هدى من ينقذها من ورطتها سوى أخيها محمد فوزي الذي سارع فوراً بتحضير لحن بديل لأخته، لتغني هدى أغنية «طول ما انت معانا يا ريس» في تلك الليلة التي لم تنسها بقية حياتها، وراحت تروي تفاصيلها وهي مندهشة ومتسائلة عن أسباب ذلك التصرف من جانب موسيقار كبير مثل عبدالوهاب.