النيجر.. وتصفية الحساب مع المستعمر السابق

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أنّ الدبلوماسية الأمريكية تمكّنت من تحقيق انفراجة في أزمة النيجر الحالية، وذلك من خلال عودة المفاوضات بين قادة الانقلاب وممثلي دول غرب أفريقيا الذين كانوا هدّدوا بالتدخل العسكري لإرجاع الرئيس النيجري محمد بازوم إلى الحكم.

واندلعت الأزمة في دولة النيجر الأفريقية يوم الأربعاء 26 يوليو 2023 إثر الإطاحة بالرئيس بازوم من قبل قوات الحرس الرئاسي بقيادة الجنرال عبدالرحمن تشياني، في ثالث انقلاب في المنطقة منذ عدة سنوات بعد استيلاء الجيش على السلطة في كلّ من مالي وبوركينا فاسو المجاورتين.

الرئيس محمد بازوم هو أول رئيس مدني منتخب في النيجر وينتمي إلى الأقلية العربية التي تمثّل 1.5 في المائة من مجمل السكان النيجريين، وتولّى الرئاسة في عام 2021 بعد فوزه في انتخابات بشرت بأول انتقال سلمي للسلطة في النيجر، واتسمت ولاية بازوم بمحاولتي انقلاب قبل التطور المفاجئ للأحداث الأسبوع الماضي.

وبلغت نسبة الفقر سنة 2021 في دولة النيجر 41 في المائة من السكان أي قرابة 10 ملايين شخص، رغم كونها غنية بموارد الطاقة، وهي تمتلك واحداً من أكبر احتياطيات العالم من اليورانيوم وتعدّ سابع أكبر منتج له، فضلاً عن كميات كبيرة من احتياطيات الذهب والنفط، إضافة إلى الكشف عن وجود احتياطيات من الفحم عالي الجودة في جنوب وغرب البلاد.

وارتبطت حكومة بازوم المنقلب عليها بعلاقات جيدة مع الغرب وخصوصاً مع فرنسا بهدف معلن هو، التصدّي للمتطرّفين والإرهابيين القادمين من مناطق نزاع مختلفة والذين أتُّخِذَ بشأنهم قرار التمركز في منطقة الساحل الأفريقي.

وهددت دول غرب أفريقيا المجاورة للنيجر بالتدخل عسكرياً، إذا لم يعد بازوم إلى منصبه في غضون أسبوع وهي مهلة انتهت مساء الأحد الماضي، وهذا القرار دعمته دول غربية في مقدمتها فرنسا.

ويبدو أنّ قرار التدخل العسكري ليس محلّ إجماع دولي وبالخصوص هو لا يحظى بدعم دول الجوار، إذ حذّرت سلطات مالي وبوركينا فاسو في بيان مشترك من «أنّ أيّ تدخل عسكري في النيجر لإعادة الرئيس المنتخب، محمد بازوم الذي أطاح به الانقلاب الأخير، إلى الحكم سيكون بمثابة إعلان حرب على بوركينا فاسو ومالي».

وأبدت الولايات المتحدة الأمريكية من جهتها تحفظّها على التدخل العسكري ما دعاها إلى تكثيف مساعيها الدبلوماسية وإعطاء فرصة أكبر للمفاوضات، ويتباين بوضوح الموقف الأمريكي مع الموقف الفرنسي المساند بقوة للتدخل العسكري في النيجر وإرجاع محمد بازوم إلى الحكم.

ومعلوم أنّه كان لدى فرنسا حوالي 5400 جندي في مهمتها المناهضة للإرهابيين عبر منطقة الساحل، لكن تمّ الاحتفاظ فقط بـ1500 جندي وتركيز هذه المهمة في النيجر بشكل أساسي وحصري العام الماضي بعد خلافها مع المجلسين العسكريين الحاكمين في مالي وبوركينا فاسو، واضطرارها لسحب قواتها من البلدين.

ويرى المراقبون أنّ الانقلاب الحاصل في النيجر لا يمثّل حدثاً عادياً بالنسبة لفرنسا، إذ كان الرئيس الذي أزاحه العسكريون، محمد بازوم، حليفاً قوياً لها في الحرب ضد الإرهابيين، وشريكاً اقتصادياً قوياً، وهو يُعدّ من بين آخر القادة الموالين لها في منطقة الساحل الأفريقي.

وترتبط فرنسا بالنيجر بعلاقات عسكرية واقتصادية قويّة، وهي مستعمرة فرنسية منذ عام 1922، حتى نيل استقلالها عام 1960، ومع انتهاء الحقبة الاستعمارية حافظت فرنسا على مصالحها في هذا البلد، إذ تحتل النيجر مكانة استراتيجية مهمّة لدى فرنسا، فهي حليف في مجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وتستضيف قاعدة عسكرية فرنسية، كما تعتمد فرنسا على النيجر في الحصول على 35 في المئة من احتياجاتها من اليورانيوم، لتمويل محطاتها النووية وإنتاج 70 في المئة من الكهرباء.

ومهما كانت مآلات المفاوضات بين قادة الانقلاب ودول غرب أفريقيا، فالثابت أنّ شعوب أغلب دول جنوب الصحراء لم تعد قابلة بمواصلة الخضوع للمستعمر السابق مهما كان اسمه.

الثابت كذلك أنّ حصيلة سنوات الاستقلال مهما تفاوت عددها بين دول المنطقة لم تحقّق مستويات تنمية تلبّي حاجيات المواطن الأفريقي ولم يستفد منها سوى فئات قليلة ربطت مصيرها بمصالح المستعمر السابق وحكمت بلدانها بقبضة من حديد وفشلت بالتالي في إرساء أسس منظومة ديمقراطية حتى وإن كانت صورية، ولكلّ ما تقدّم فإنّ حالة الرفض الشعبي هذه ستدوم وستأخذ أشكالاً مختلفة ومتعدّدة وقد تستفيد منها فئات أخرى وقد لا تأتي بالحلول الفعلية لمعاناة شعوب المنطقة ولكنها ستتواصل حتّى في أشكالها العبثية.

 

 

Email