لا يصدق العقل السليم أن الحكومة في جنوب أفريقيا كانت تجهز لاعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذا ما ذهب إليها للمشاركة في قمة بريكس.
القمة سوف تنعقد في الثاني والعشرين من هذا الشهر، وسوف تستمر ثلاثة أيام، وسوف يشارك فيها قادة الدول الخمس الأعضاء في تجمع بريكس، وهذه الدول هي: روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا، والبرازيل.
كان من المقرر سلفاً أن يحضر الرئيس بوتين، لولا أن مندوب جنوب أفريقيا في التجمع صرح في 19 يوليو بأن بوتين لن يحضر، وأنه سيشارك إلكترونياً.
وما كاد المندوب الجنوب الأفريقي يصرح بما صرح به، حتى انطلقت التخمينات في كل اتجاه ومن كل ناحية، وقد وصل بها الأمر إلى حد قيل معه إن وزارة العدل في جنوب أفريقيا، كانت تجهز لإصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي!
ومن المعروف أن أمر توقيف كان قد صدر عن المحكمة الجنائية الدولية في حق بوتين، وكان ذلك في مارس من هذه السنة، عندما جرى اتهامه وقتها بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا.. وكانت المحكمة اتهمته ولاتزال بأنه أقصى أطفالاً أوكرانيين عن وطنهم، وأنه قام بترحيلهم بعيداً عن بيوتهم، ورأت أن ذلك يشكل جريمة حرب.
وعندما أذيع نبأ غيابه عن القمة، قيل إنه يخشى التوقيف في جنوب أفريقيا، وأنه لا يريد أن يسبب لها حرجاً، وأنه لذلك رأى أن الأسلم أن يشارك من مكانه، وألا يعطي فرصة للمحكمة، وأن يرفع الحرج عن الحكومة في جنوب أفريقيا.
وبالطبع.. فإن هذه مجرد تخمينات، وكلها لا ترقى إلى درجة اليقين، لأن ما قيل عن وزارة العدل تسريبات لا أكثر.
والعقل لا يصدق هذه التخمينات والتسريبات كلها، لأن الحكومة في جنوب أفريقيا ليست في الأصل منحازة للغرب في الحرب الروسية الأوكرانية، ولأنها لم يخرج عنها ما يفيد إدانتها للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا عند بدايتها، وبالتالي، فهي أقرب إلى روسيا في هذه الحرب منها إلى أوكرانيا، أو حتى إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وحلفائهما في الحرب.
والأهم من ذلك أن المحكمة إذا كانت قد أصدرت في حقه مذكرة اعتقال، فهذه المذكرة ليست في الحقيقة إلا للتهويش والردع، أكثر منها أداةً يمكن بالفعل استخدامها ضد الرئيس بوتين، إذا ما غادر عاصمة بلاده إلى أي عاصمة أخرى.
وعندما وقع تمرد قوات فاغنر الروسية في الرابع والعشرين من يونيو، رأينا كيف أن الغرب وضع يده على قلبه، ليس حباً في بوتين بالطبع، ولكن خوفاً من عواقب غيابه عن مركز صناعة القرار في موسكو.
ولم يبالغ الألمان عندما قالوا في أجواء التمرد، إن بوتين الضعيف أخطر من بوتين القوي، وإن غيابه عن الحكم في روسيا، يجعل الدولة الروسية تنفتح على المجهول، بكل ما تملكه من سلاح نووي بالذات، وبمساحتها التي تجعلها الدولة الأكبر من حيث المساحة في العالم، وبعدد سكانها غير القليل نسبياً.
كل ذلك يشير إلى أن الحديث الذي تسرّب عن أسباب غيابه عن القمة، كان في غالبيته حديثاً في الهواء الطلق، وهو من نوع الحديث الذي لا تستطيع أن تراهن على صوابه، ولا على اقترابه من الحقيقة أو حتى من ظلالها.